Site icon Marocuniversel – جريدة وطنية شاملة ومتجددة

بن يونس المرزوقي: “تجميد” النظام الأساسي للتعليم تصرف لا محل له من “الإعراب القانوني”

بن يونس المرزوقي، أستاذ باحث بكلية الحقوق وجدة

يروج خلال هذه الفترة الأخيرة، استعمال مصطلحات ومفاهيم ذات دلالات عامة وخاصة، ولذا فقد أصبح من المفيد توضيح كيفية استعمالها ودلالاتها حتى يزول بعض الغموض. وسأركز هنا على ما يرتبط بالنظام الأساسي لنساء ورجال التربية الوطنية.

لقد وقع من الأحداث ما أوصلنا إلى ضرورة تحديد موقف واضح من هذا النظام الأساسي الصادر في شكل مرسوم، فتم استعمال مصطلحات ومفاهيم متنوعة: إسقاط المرسوم، تجميد المرسوم، إلغاء المرسوم، سحب المرسوم، تعديل المرسوم، توقيف العمل بالمرسوم… وغاب عن الاستعمالات كل من نسخ المرسوم.. وتعويض المرسوم.. أما تتميم المرسوم فكان عدم استعمالها منطقيا وفق المطالب المعبر عنها.

وهكذا وجدنا أنفسنا أمام مصطلحات ومفاهيم يختلف استعمالها حسب وجهات النظر..

فقد يتعلق الأمر باستعمال نقابي أو إعلامي أو حتى سياسي.. وهذه استعمالات عادية.. (المحور الأول)؛

لكن قد يتعلق الأمر باستعمالات قانونية.، وهنا يتطلب الأمر هذه التدقيقات (المحور الثاني)..

وكل ذلك.. في اتجاه الخروج بخلاصات واستنتاجات بالنسبة لكل الأطراف المعنية.. (المحور الثالث) وتحديد الآفاق السياسية في الخاتمة..

المحور الأول: في الاستعمالات العادية

المقصود هنا هو استعمال أي مصطلح دون أية خلفية قانونية.. فالنقابي أو الإعلامي ليس ملزما بالإحاطة بالدلالات القانونية بكل جزئياتها.. وإن كان ذلك محبذا.. لأنه من غير المنطقي أن يكون الإعلامي غير دقيق فيما يقوم بنشره.. ولا أن يكون النقابي أو المطالب بحقوق معينة لا يعرف معناها وخلفياتها.

ومن هذه الزاوية.. يحق للحركات الاحتجاجية أن ترفع شعارات “غير دقيقة”..

مثلا.. يستوي أن تُطالب بإسقاط المرسوم أو تجميده أو إلغاءه أو سحبه… فالأساسي هو أن تُحقق مكسبا تعتبره إيجابيا.. رغم أن هذه المفاهيم غير دقيقة.

وأغتنم هذه الفرصة لمطالبة المنظمات النقابية بالعمل على التوفر على لجنة قانونية يُعهد إليها بتدقيق ملفاتها المطلبية.. ومطالبة المؤسسات الصحفية بالعمل -حسب إمكانياتها- بتوظيف أو التعاقد مع مستشار قانوني لتصحيح الأخطاء القانونية، على غرار المصحح اللغوي.

وأعتبر هنا أن هذا “التساهل” في استعمال المصطلحات لا ينبغي أن يستفيد منه ممثلو الأحزاب السياسية.. لأنهم ملزمين بالتدقيق.. ومدعوين إلى الابتعاد عن التصريحات المرتجلة وغير الدقيقة.. ما دام إنه لدى بعضهم “إمكانيات” قانونية.. ولبعضهم فريق أو مجموعة نيابية يُفترض أنها مشكلة من “خبراء” قانونين يساهمون في تحضير النصوص التشريعية في شكل مقترحات قوانين أو تعديلات لمشاريع قوانين.

المحور الثاني: في الاستعمالات القانونية

من هذه الزاوية.. يُلاحظ أن التعامل مع النصوص التشريعية (القوانين) بمختلف درجاتها وأصنافها، والنصوص التنظيمية (المراسيم).. وحتى القرارات.. يتم وفق صيغ عديدة.. نحلل منها ما يهم المرسوم من خلال أمثلة تطبيقية.

فبخصوص التعامل مع النصوص القانونية بمختلف مراتبها وأصنافها إلا المصطلحات التالية:

بالنسبة للنص الدستوري: المراجعة ( la Révision) والنسخ: (Abrogation)؛

بالنسبة للنصوص القانونية، يعتمد الدستور صيغا متنوعة.. تختلف حسب الجهة المعنية.. وطبيعة العملية المقصودة.. هل يتعلق الأمر بإحداث نص جديد.. أو الاشتغال على نص قائم.. وهل يتعلق الأمر بإجراء “تغييرات” جزئية أو كلية..

وهكذا، استعمل الدستور مصطلحات كثيرة ومتنوعة: “القراءة الجديدة”.. “تغيير النصوص”.. “تقديم مشاريع”.. “تقديم مقترحات”.. “الاقتراح”.. “التعديل”.. “مرسوم القانون”.. “الاتفاق”.. (وهي مصطلحات يمكن الرجوع إلى تفاصيلها في مقال أكاديمي مستقل)؛

أما على مستوى النصوص التنظيمية (المراسيم)، فمن خلال تتبع الممارسة الحكومية بهذا الخصوص.. واستخراج المصطلحات والمفاهيم المستعمَلَة، يتبين أن هناك النسخ الكلي للمرسوم (أولا).. أو إمكانية إدخال “تغييرات” متنوعة عليه (ثانيا).

أولا: النسخ الكلي

يتعلق الأمر، بإحلال مرسوم جديد، بترقيم جديد، محل مرسوم سابق يتم إعدامه من النظام القانوني.

مثلا: نصت المادة 169 من المرسوم رقم 2.22.431 الصادر في … 8 مارس 2023 والمتعلق بالصفقات العمومية، على أنه “يدخل هذا المرسوم حيز التنفيذ ….، وينسخ ابتداء من التاريخ نفسه، المرسوم… بتاريخ 20 مارس 2013 المتعلق بالصفقات العمومية، كما وقع تغييره وتتميمه”.

إذن تم اعتماد مرسوم جديد محل مرسوم سابق.

وهناك مثال ثان، يقترب مما سنعالجه أدناه بخصوص التربية الوطنية، ويتعلق الأمر بمرسوم 2 أغسطس 2023 بشأن النظام الخاص بهيئة الأساتذة الباحثين بالتعليم العالي، حيث تنص المادة 27 منه على أنه “تنسخ ….. مقتضيات المرسوم …. الصادر بتاريخ 19 فبراير 1997 غير أن النصوص التنظيمية المتخذة تطبيقا لمقتضياته تظل سارية المفعول إلى حين تعويضها أو نسخها”.

ثانيا: إدخال “تغييرات متنوعة”

إن أفضل نموذج بهذا الخصوص هو مرسوم 10 فبراير 2003 بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية..

هذا المرسوم، يُستشف من تطوره دينامية مهمة، تتجلي في أنه لم يتم اعتماده كنص جامد ونهائي، بل تعرص للتعديل بموجب المراسيم التالية، وعددها ثلاثة عشرة (13)، موزعة عبر عشرين (20) سنة التي تم تطبيقه خلالها:

10 فبراير 2003، 4 ماي 2004، 3 غشت 2005، 2 ديسمبر 2005، 28 غشت 2006، 9 يوليو 2007، 25 نوفمبر 2011، 5 فبراير 2014، 10غشت 2015، 11 ماي 2018، 19 يونيو 2018، 26 يونيو 2019، 25 فبراير 2022.

هذا، ونشير إلى أن مجموع التغييرات والتتميمات والنسخ بلغ ما يفوق مائة وأربعون (140).

من خلال كل هذه الدينامية، تم اعتماد “التصرفات” القانونية التالية:

المحور الثالث: الخلاصات والاستنتاجات بالنسبة للأطراف المعنية

أعتبر أنه يحق للحركات الاحتجاجية استعمال الشعارات العامة، والتي يكون مدلولها مفهوما لدى الجهات الرسمية المعنية بها.. ويستوي في ذلك إسقاط المرسوم أو إلغاؤه.. أو تجميده.. أو توقيفه.. أو سحبه.. أو إلغاؤه.. أو مراجعته.. أو نسخه.. أو تجويده.. أو تغييره.. أو تتميمه.. أو تعويضه.. أو إحلال نص جديد محله…

لكن من المفروض أن تقوم الأحزاب السياسية.. والمنظمات النقابية.. والمؤسسات الإعلامية، بتدقيق المصطلحات والمفاهيم التي تقوم بترويجها..

أما بالنسبة للحكومة.. فإن المصطلحات التي ينبغي لها استعمالها هي فقط:

وطبعا.. لا يُمكن القيام بأي تصرف من هذا النوع إلا بنص قانوني مماثل.. أي من نفس الدرجة.

إن الجهات الإدارية المعنية.. لا تُعذر باستعمال مفاهيم مغلوطة:

فلا يُمكن قبول استعمال “تجميد المرسوم”..

ولا قبول سماع “إصدار مذكرة لتوقيف العمل بالمرسوم”..

ولا حتى سماع “إلغاء العقوبات” الواردة بمرسوم تم تجميده وفق منطق الجهة المعنية!!

وبالتالي، فكل حديث من هذا النوع.. لا محل له من “الإعراب القانوني”..

خاتمة.. الآفاق الحقيقة

والآن وقد وصل الوضع لما هو عليه..

لم يعد هناك إلا الحل السياسي المحض..

فمن جهة الأغلبية الحكومية.. استقالة.. أو إقالة المسؤولين عن هذا الوضع..

ومن جهة المعارضة.. المبادرة بطرح ملتمس رقابة لوضع الحكومة أمام مسؤوليتها.. وإثارة نقاش عمومي سياسي.. وهي “المعارضة” التي قدمت ذلك الملتمس مرتين سابقتين، وهي تعلم أنه لن تتم الموافقة عليه.. ولكن على الأقل لإخلاء مسؤوليتها..وذاك موضوع آخر..

بن يونس المرزوقي، أستاذ باحث بكلية الحقوق وجدة

Exit mobile version