Site icon Marocuniversel – جريدة وطنية شاملة ومتجددة

استعمال المتغير الديني في التواصل السياسي بالمغرب، دراسة حزب العدالة والتنمية”، موضوع مناقشة أطروحة دكتوراه نوعية بكلية الحقوق بالرباط

MarocUniversel

MarocUniversel/متابعة

عرفت كلية الحقوق أكدال بجامعة محمد الخامس بالرباط يوم السبت 28 أكتوبر الجاري مناقشة أطروحة لنيل الدكتوراه في العلوم السياسية، حول موضوع “استعمال المتغير الديني في التواصل السياسي بالمغرب، دراسة حزب العدالة والتنمية”، للباحث إدريس بنيعقوب، أمام لجنة مكونة 7 أساتذة وهم: الدكتور عبد الله بوصوف، الدكتور عبد الرحيم المنار اسليمي بصفته مشرفا، الدكتور أحمد بوجداد رئيسا ومقررا، الدكتور عبد الحافظ أدمينو مقررا، الدكتور محمد الغالي عميد كلية الحقوق بقلعة السراغنة، الدكتور سعيد الصديقي أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد بن عبد الله ومدير مختبر الدراسات السياسية والقانون العام بفاس، الدكتور عمر الشرقاوي والدكتور امحمد حبرون. وقد أجازت هذه اللجنة هذه الأطروحة بعد مناقشة مستفيضة ومعمقة ومنحت الباحث صفة دكتور في العلوم السياسية بميزة مشرف جدا مع التوصية بنشر هذه الدراسة.
وتسلط هذه الدراسة الضوء على أسلوب تواصل قيادة حزب العدالة والتنمية وتأثيره على تقاليد الخطاب والتواصل السياسي بالمغرب، من خلال البحث في اللقاءات المفتوحة التي نظمها حزب العدالة والتنمية كمصدر للتعبئة الجماهيرية وكمصدر لتفاعل وسائل الإعلام، باعتبارها الوسيلة الأهم للحزب لإدارة الصراع السياسي مع باقي الفاعلين، فهي ليست مجرد لقاءات لنشر أفكار التنظيم السياسي، وإنما أداة لمهاجمة الخصوم للتأثير على الجمهور. من تم شكلت هذه اللقاءات منصة لخلق الجدل والنقاش العام مما جعلها تحظى بتغطية إعلامية، رافقتها تعليقات وجدالات، حتى أصبحت ربما أحيانا أكثر أهمية حتى من بلاغات وبيانات المؤسسات الرسمية بما في ذلك الحكومة والبرلمان.
تركزت إشكالية الموضوع حول التزايد الملحوظ لتوظيف اللغة الدينية الإسلامية منذ ما اصطلح عليه باحتجاجات الربيع العربي في المجال العام و تحديدا في التواصل السياسي للأحزاب في ظل تبني الدولة لنموذج تدبيري لأمور التدين تصفه الدولة بالوسطية و الاعتدال. هذا التوظيف للدين قد ينتج عنه عدم توازن في تدبير العلاقات فيما بين الفاعلين السياسيين، وفيما بينهم و بين الدولة و المجتمع ككل. لذا تبحث هذه الأطروحة في الملامح والسمات العامة لتواصل قادة حزب العدالة بغية الكشف عن القوى العاملة والعناصر المؤثرة في إنتاج هذا الخطاب، وتحليل أساليب الخطاب الاستعاري المضمر، والأفعال الكلامية التي تم توظيفها في تقديم الخطاب في ضوء الصفات والتكوين الذي يتوفر عليه قادة وأطر الحزب، خاصة وأن خرجات عبد الإله بنكيران واستعمال شبكات التواصل الاجتماعي لنشرها، تعد حالة جديرة بالاهتمام العلمي في علاقاتها بتدعيم الروابط في الاتصال السياسي بين القادة والرأي العام. ويستعمل القادة السياسيون لحزب العدالة والتنمية الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي والفضاءات العمومية المفتوحة كوسيلة للخطاب العام، باستعمال استراتيجيات بلاغية معينة، قد تهدف إلى صناعة “علامة تجارية” سياسية، وإلى بناء صورة أيديولوجية متميزة. كما ناقشت الأطروحة علاقة خطاب وتواصل حزب العدالة والتنمية بالفشل في انتخابات سنة 2021، مبرزة أهم العناصر التواصلية التي قد تكون وراء هذا التقهقر الانتخابي.
من بين أهم التساؤلات التي حاولت الأطروحة الإجابة عنها هي: ما هي الاستراتيجيات التي تبناها خطاب حزب العدالة والتنمية في تواصله مع الجماهير لاسيما منذ فترة الربيع العربي سنة 2011، إلى نهاية ترؤسه الحكومة 2021؟ ما هي أهم آليات التعبير المجازي والخطاب المضمر التي وظفها بنكيران في مواجهة خصومه؟ ماهي السياقات والظروف والمراجعات التي ساهمت في تشكل حزب العدالة والتنمية؟ ما هي حدود العلاقة بين الديني و السياسي في النسق السياسي المغربي، و ما هي نقط التماس و نقط التنافر و ما مدى مشروعية استعمال الأحزاب لخطاب ديني منافس لخطاب الدولة الديني و ما هي أهم أنواع الخطاب الديني بالمغرب؟ هل يرتبط الخطاب السياسي الديني في المغرب بأنساق سياسية و فكرية أجنبية؟ ما مدى تأثير المصطلح و القاموس الديني على توجهات الرأي العام و على مختلف فئات المجتمع؟ هل النصوص القانونية و التنظيمية، بما في ذلك قواعد تنظيم المجال الديني، كافية لتأطير استعمال الخطاب الديني في التنافس السياسي الحزبي و ما مدى نجاعتها؟ ماهي النتائج المترتبة عن توظيف العامل الديني في الحياة السياسية الحزبية و ما تأثيرها على النسق السياسي ككل؟ وما هي طبيعة التحولات التي أحدثها الحراك الشعبي خلال سنة 2011 على مسار الاسلاميين بالمغرب؟ ولماذا نجح الإطار الفكري للحركة الإسلامية، إبان الثورات في تعبئة الناخبين على حساب التيار العلماني المدني؟ ما هي مسببات وتداعيات الأزمة التي عاشها الحزب الاسلامي بعد “اعفاء” بنكيران وبعد التراجع في انتخابات 2021؟


اعتمد الباحث على باراديغم وعلى جهاز نظري ومنهجي نوعي قال عنه أنه باراديغم معتمد حاليا ومنذ مدة في الدراسات الأنجلوساكسونية في التحليل النقدي لخطاب السياسيين تحديدا، وبذلك فقد اعتم على نظريات ومناهج عدة أهمها، نظرية المجتمع الشبكي Networked Society theory لمانويل كاستياس Manuel Castells. وترى هذه النظرية أن هناك علاقة تأثر بين التغييرات التي تحدث في المجال السياسي تتأثر بشدة بالتغيرات في البعد التكنولوجي، التبادل بين علاقات القوة ومجتمع الشبكة في البيئة السياسية نتيجة التقدم التكنولوجي والرقمنة، وظهور ما يطلق عليه “الاتصال الجماهيري الذاتي”، وهو جزء من نظرية المجتمع الشبكي. واستعمل أيضا نظرية أفعال الكلام Speech Acts Theory التي طورها الفيلسوف الإنجليزي جون لانجشو أوستين Austin، والتي ترى أن لأفعال الكلام خلفية اجتماعية، وبذلك فإن المتلفظات الذي ينطق بها الخطيب السياسي، لها مظهر دلالي مهم، بحيث تعد أفعالا وإنجازات لها نتائج وانعكاسات ووقع على باقي الأنشطة التي نقوم بها، وبذلك فإن اللغة ليست مجرد أداة للأخبار والوصف، بل وسيط لبناء الواقع والتأثير فيه وتحويله، وأن الاستعمال اللغوي ليس إبراز منطوق لغوي فحسب، بل إنجاز حدث اجتماعي في آن واحد. كما أسس الباحث أطروحته على نظرية الديمقراطية التداولية Democracy theory Deliberative التي تفترض ضرورة وجود خطاب ثنائي الاتجاه بين السياسيين وناخبيهم بهدف التبادل الحر للأفكار، ولتعزيز النقاش، ولتشجيع الخطاب الصادق والمتوازن ومن تم البحث عن الحلول، الشيء الذي يقتضي وجود خصائص معينة مثل المنطق، واستخدام الأدلة والحجج العقلانية في الخطاب.
وقد تبنى الباحث مقاربة التحليل النقدي للخطاب من خلال النموذج المعرفي لـ تيون فان ديك Teun Van Dijk’s، الذي يعتبر اللغة وسيلة كفيلة بتطويع الخطاب ليصير ممارسة سلطوية سياسية، تتضمن الهيمنة عبر الاختيارات اللغوية المقصودة. ويتكون هذا النموذج من ثلاث عناصر وهي: التحليل الاجتماعي المعني بفحص السياق، ثم تحليل الخطاب المعني بالنص نفسه، والتحليل المعرفي، الذي يعطي أهمية للبعد الأيديولوجي في الخطاب والذي يجعل المتحدث، يرسم عن حزبه وعن شخصياته تمثلا إيجابيا لذواتهم في حين يرسم عن الآخر رسما سلبيا، فيصير حزب العدالة والتنمية ينظر إلى المشهد السياسي ب” أنا والآخر”.
يسعى التحليل النقدي للخطاب لدراسة الاستعمال اللغوي “المخادع” الذي يخدم الأيديولوجيات، ومن تم الهيمنة على مناطق القرار في البنى الذهنية لدى الفئات المستهدفة، وليس الاقتصار على تحليل المضمون فقط. ويقوم المربع الإيديولوجي أو المربع المفاهيمي لدى فان دايك على أربعة مبادئ تمكن التحليل الإيديولوجي من التعبير عن المواقف الإيديولوجية المختلفة في الخطاب وهي:

تناولت الأطروحة أيضا نظرية صناعة العدو لقراءة الخصومات السياسية لحزب العدالة والتنمية ، وهي نظرية تتأسس على فرضية أن العدو هو صناعة تنشأ بداية عن تبني توجه ايديولوجي وبناء خطاب مصاحب له، يغديه صنّاع رأي. فالعدو حسب هذه النظرية هو جزء من متخيل جمعي خاص بكل جماعة، موحِد للجماعة، محدد لهويتها ومميزا لها. كما يمكن توظيفه كمهدأ لحالات القلق الجماعي. ووجود العدو من أجل تلبية حاجاتٍ اجتماعية متعددة، منها الحاجة إلى الهُوية، أي تعريف “الذات” من خلال تعريف “الآخر”، والحاجة إلى توطيد الأواصر ضمن الجماعة. فصناعة العدو كآخر مهدِد لجهة ما، هي فعل سياسي بالضرورة. وبذلك يعمد السياسي إلى جعل هذا العدو يجب أن مخالفا حتى ولو باستعمال الكذب والزور والافتعال، فيتم استعمال خطاب شفهي تمييزي يوظف ألفاظا تحط من قدر الآخر لتبرير العنف تجاهه وحرمانه من المعاملة الإنسانية العادلة، فهو ليس ندّاً، ليس محاربا أو عدوا، إنه بربري، إرهابي، قاطع طريق، عنيف. ويصبح التمييز في ما بعد ثقافيا وعرقيا منشئا لنظريات التفوق العنصري.
اعتمدت الدراسة أيضا على نظرية المسرح الاحتفالي التي تأسست في عالم المسرح بخلفية نظرية وفكرية عميقة من قبل المسرحي المغربي عبد الكريم برشيد. يعتمد هذا المسرح الاحتفالي على كسر قواعد المسرح التقليدية، بجعل الممثل حرا بدون نص محدد وبدون مخرج موجه، كما يجعل الخشبة فضاء تفاعليا يكسر فيه الجدار الرابع بين الجمهور والممثل، بلغة السمر والتسويق. هذا الشكل من العرض أقرب إلى وجدان المغاربة، لكونه يستند على الذاكرة الشعبية وعلى التراث والوجدان الشعبي وعلى التواصل الجماعي عبر فضاءات منفتحة كالأسواق والساحات، وأقرب أيضا إلى عواطفهم مقارنة مع أنواع المسرح الأخرى التي غالبا ما تحدث نوعا من “الطبقية” ضمن المشاهدين، وتمنعهم من المشاركة مع الممثل صاحب الدور على الخشبة.
الاحتفالية هي خلق التفاعل بين النص والممثل والجمهور والزمن والمكان. لذلك فإننا نرى، أن ممارسة التواصل السياسي مع الجماهير بهذه الطريقة قد يعطي أفضلية للمتواصل على منافسيه، ليس لكونه يمتلك رؤية وتصور لسياسات عمومية دقيقة، وإنما لكونه أحسن توظيف قوالب تواصلية متنوعة وحول تراكم التواصل الشعبي وبعض قواعد المسرح إلى قالب صنع وسيلة فعالة لاستمالة الجماهير.

من أهم استنتاجات الدراسة على ضوء النظريات والمقاربات المنهجية التي اعتمدتها، نجد:

Exit mobile version