نتيجة عملياتها العسكرية في قطاع غزة، التي خلفت وراءها عدد ضحايا قارب عشرة آلاف من المدنيين، انتقل المغرب في علاقته مع إسرائيل من بلاغات الإدانة إلى دعوة المجتمع الدولي للتصدي لما يقترفه جيش الاحتلال بلغة صريحة، وتوجيه انتقادات صريحة لمجلس الأمن الدولي نظير عجزه عن إنهاء التصعيد، في الوقت الذي غادر فيه رئيس مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط، ديفيد غوفرين إلى تل أبيب، أمام تأييد الشارع المغربي للقضية الفلسطينية.
هذه السياقات المتعددة أرخت بظلالها على الزخم التي كانت تعرفه العلاقات المغربية الإسرائيلية خلال الثلاث سنوات الأخيرة والتي ترجمها ازدهار التعاون بين الطرفين في مجالات متعددة.
“العلاقات بين المغرب وإسرائيل لن تعود إلى ما كانت عليه قبل 7 أكتوبر 2023.” يقول الدكتور سعيد الصديقي أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي الإنساني بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس ، في تصريح أدلى به لصحيفة “الأيام الأسبوعية”، حيث وضح الدكتور “إن ما وقع في غزة بعد هذا اليوم سيؤثر كثيرا على سياسات الدول العربية تجاه إسرائيل، أقصد هنا بالخصوص الدول التي دخلت في اتفاقات أو مشاريع تطبيع أو ترتيبات ثنائية مع إسرائيل” مبرزا في هذا الإطار أنه “سيحدث أيضا تحولا في تصورات النخبة السياسية في هذه الدول نحو إسرائيل”.
في ذات السياق أكد أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي الإنساني أن الحرب على غزة “ستمثل مرحلة مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية عموما، وأيضا علاقات الدول العربية بإسرائيل، فقد نسفت هذه الحرب ليس فقط الجهود التي بذلها رعاة التطبيع، بل أيضا التفاؤل المفرط لجدوى العلاقة مع إسرائيل، وأنها دعامة أمنية مهمة وشريك اقتصادي واعد”.
مشيرا إلى أنه “سيحتاج رعاة التطبيع إلى سنوات كثيرة لجبر ما سببه العدوان الإسرائيلي الهمجي على غزة. كنت قلت في مناسبات سابقة أنه مهما تقدمت العلاقات بين إسرائيل والمغرب أو باقي الدول العربية، فإن هذه العلاقة ستظل معرضة للانهيار في أي لحظة ما لم تحل قضية فلسطين حلا عادلا ومنصفا”. مضيفا أن “إذا كان الفلسطينيون خسروا كثيرا من الناحية الإنسانية، فإن إسرائيل خسرت كثيرا من الناحتين الأخلاقية والاستراتيجية”.
وسجل الدكتور الصديقي في هذا الصدد أن “المغرب الرسمي له مسؤولية تاريخية وأخلاقية وقانونية تجاه الحقوق الفلسطينية، ولا يمكن أن يمر هذا العدوان الإسرائيلي الهمجي غير المسبوق في العصر الحديث على غزة كأنه شيء عاد”. مضيفا “قد يشعر صناع القرار بنوع من الحرج بسبب الاتفاقات التي أبرمت مع إسرائيل خلال السنوات الأخيرة تحت الرعاية الأمريكية، وبعضها كان مرتبطا بطريقة أو أخرى بالاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وهذا من الأسباب التي جعلت المغرب لا يتخذ موقفا متقدما من الأحداث كأن يعلن رسميا وقف مسلسل التطبيع مع إسرائيل. بالإضافة إلى قيود هذه الاتفاقات وترتيباتها المختلفة، فإن المغرب يفتقد أيضا إلى مظلة سياسية عربية لاتخاذ هذا الموقف، وخاصة من جانب الجامعة العربية”.
ليخلص الدكتور إلى أن “هذا ما يفسر اللغة المعتدلة التي استعملت في بلاغات وزارة الخارجية في الأسابيع الأولى من الحرب، لكن في الآن ذاته تحركت وزارة الخارجية في الجامعة العربية وفي منظمة المؤتمر الإسلامي، كما أن المندوب المغربي في منظمة الأمم المتحد حاضر باستمرار في تحركات المجموعة العربية في هذه المنظمة لاستصدار قرار من مجلس الأمن لوقف العدوان على إسرائيل”.
وقد استرسل الدكتور الصديقي في الحديث عن هذا الموضوع عبر ذات المصدر بالقول أن ” إسرائيل بالغت كثيرا في غرورها تجاه المغرب معتقدة أنها وضعت الورقة المغربية في جيبها، وهذا ليس مجرد سوء تقدير من إسرائيل، بل أيضا استهانة بالمغرب وتاريخه، وأيضا بالمزاج المغربي الشعبي المعادي في عمومه للكيان الإسرائيلي”.
موضحا أنه “رغم احتمال وجود أفراد في المغرب قد يكون لهم بعض التأثير الاقتصادي أو السياسي أو الإعلامي راهنوا كثيرا على الاستفادة من مسلسل التطبيع، وبالتالي فإنه يعملون للحيلولة دون أن ينقض المغرب ما بدأه في مسلسل التطبيع، لكن لا يمكن الحديث عن وجود لوبي إسرائيلي بمعنى الكلمة في المغرب” . بناء عليه يوضح السيد الصديقي هذا الطرح بالقول :بيد أن هذه المأساة في غزة لا بد أن تشكل فرصة للمغرب ليعيد النظر في علاقاته مع إسرائيل. حتى لو كان من الصعب الإعلان رسميا وقف مسلسل توسيع العلاقات مع إسرائيل، لكن يمكن إيقاف ذلك عمليا، أو تجميد كل مظاهره وهذا أضعف الإيمان”.
مضيفا “ولعل هذا هو الحل الأقل كلفة لمعضلة تناقض المصالح الجيوسياسية للمغرب المترتبة عن الدينامية الجديدة لعلاقاته مع كل من إسرائيل وأمريكا، وبين التزاماته الأخلاقية والتاريخية تجاه القضية الفلسطينية وأيضا المزاج الشعبي العام المساند لفلسطين والمعادي لإسرائيل والتطبيع معها”.
ارتباطا بذلك يؤكد الدكتور الصديقي على أن “المسؤولون الإسرائيليون سيصيرون منبوذين في العالم، وبعضهم سيلاحقون في المحاكم الدولية، وستعيد العديد من الحكومات تقييم علاقاتها مع إسرائيل كما فعلت بعض دول أمريكا اللاتينية التي قطعت أو جمدت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، لذلك يرجح أن يكون المغرب حذرا في علاقاته مع إسرائيل، وألا يستقبل أحدا من المسؤولين الإسرائيليين خلال السنة القادمة التي أتوقع أن تشهد تجميدا عمليا للتطبيع، ريثما تظهر مؤشرات جديدة على انفراج محتمل في الملف الفلسطيني”.
مضيفا “لكن هذا الانفراج مستبعد في المدى المنظور بسبب الجرح العميق الذي سببه العدوان الإسرائيلي على غزة، وارتكابه لمجازر وحشية ضد آلاف الأطفال والنساء والمدنيين ترقى إلى جريمة الإبادة الجماعية مكتملة الأركان”.