تجميد النظام الأساسي الجديد...هل انتصرت الشغيلة التعليمية لمطالبها ؟
لماذا رفضت الشغيلة التعليمية النظام الأساسي الجديد ؟
الرباط/ملف النظام الأساسي للتعليم /ماروك يونيفرسال/ملف من إعداد : سمية واعزيز
بعدما قادت النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية حوارا مارطونيا لما يقارب سنتين من الزمن، مع وزارة التربية الوطنية، تمت المصادقة في27 من شتنبر 2023 على المرسوم رقم 2.23.819 بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية، والذي اعتبرته الوزارة الوصية أنذاك، “نقلة نوعية في مسار الأنظمة الأساسية التي اعتمدتها منظومة التربية والتعليم بالمغرب.”
في المقابل قوبل هذا النظام برفض شديد من رجال ونساء التعليم، توج باحتجاجات قوية بلغت مداها يوم 5 من أكتوبر الماضي، الذي يصادف اليوم العالمي للمدرس، عندما عبرت الأسرة التعليمية عن غضبها بمسيرة حاشدة في العاصمة الرباط.
النظام الأساسي الجديد بأعين الوزارة
يندرج النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية، كما قدمه وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بنموسى، في إطار تنفيذ أحكام القانون-الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وتجسيدا للاتفاق الموقع في 14 يناير 2023، بين الوزارة والنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية، تحت إشراف رئيس الحكومة.
وأشار الوزير إلى أن النظام الأساسي، المنشور في العدد 7237 من الجريدة الرسمية، لم يمس أيا من مكتسبات الموظفين، ويضمن تأمين الزمن المدرسي، وتحسين جودة التعليم، مسجلا أنه منسجم مع قانون الوظيفة العمومية ويضم نفس الحقوق والواجبات لكافة موظفي الوزارة، إذ يضمن ترسيم وترقية أطر الأكاديميات البالغ عددهم 140 ألفا. وبحسب تصريحات بنموسى، التي كانت قد تلت اجراءات المصادقة على النظام الأساسي الجديد فإن هذا الأخير سيتطلب، تعبئة 9 ملايير درهم إضافية كل سنة في أفق 2027، بمعدل 2,5 مليار درهم إضافي كل سنة ابتداء من سنة 2024، وبخصوص أثر هذا الإجراء على الراتب الشهري، فسيهم ما يناهز أكثر من 5 آلاف درهم خام/2700 درهم صافي، على أن الدرجة الممتازة ستشمل، في نهاية المطاف، ثلثي الأساتذة الذين يتوفرون على 25 سنة من الأقدمية في الإدارة أو أكثر.
وفي الجانب المتعلق بالتحفيز المهني، يشير واضعوا النظام الأساسي الجديد، إلى تبنيه آلية جديدة تقوم على منح مالية لأعضاء الفريق التربوي، وفق شروط معينة ترتبط بالمردودية والفعالية، وعلى خلاف الأنظمة الأساسية السابقة التي كان مدخلها الوحيد هو الفئات، فإن النظام الجديد يقترح مداخل أخرى جديدة ومختلفة ومغايرة، حيث احتكم إلى هندسة جديدة من التوظيف إلى التقاعد تشمل كافة الفئات المهنية.
وبخصوص مجال التكوين، سيتم إقرار نظام تكوين مستمر واعتماده في تقييم الأداء المهني، وإعادة النظر في هيكلة وتنظيم برامج ومدد التكوين بالمراكز الوطنية والجهوية للتكوين، مع إحداث مسالك جديدة تستجيب لخصوصيات القطاع ومتطلبات الوظيفة، مع إقرار مقتضيات خاصة بمجال التأديب والعقوبات.
لماذا رفضت الشغيلة التعليمية النظام الأساسي الجديد ؟
أجمعت مختلف التنسيقيات والهيئات التعليمية على أن النظام الأساسي الجديد لم يضع حلا جذريا لإشكال التوظيف بالتعاقد، المعتمد منذ سنة 2016، إذ لايزال هناك نوعان من الموظفين بقطاع التعليم هما موظفي الوزارة وموظفي الأكاديميات/
حيث جاء في المادة الأولى من المرسوم المتعلق بهذا النظام الجديد أنه “يسري على موظفي قطاع التربية الوطنية والأطر النظامية للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، ويشار إليهم في هذا المرسوم بالموارد البشرية”.
وتتعلق النقطة الخلافية الثانية في هذا النظام، بالمهام، حيث تم اعتماد مهام جديدة للأساتذة، فإضافة إلى التدريس لساعات طويلة وتحضير الدروس خارج القسم، تمت إضافة مهام جديدة للأساتذة متعلقة بالحياة المدرسية، والمواكبة النفسية والاجتماعية للتلاميذ.
وحسب المادة 15 من النظام الأساسي، فأطر التدريس ملزم بتولي مهام التربية والتدريس، والتقييم والدعم المدرسي والمواكبة المدرسية، والتعاون والتنسيق ضمن الفريق التربوي، والمشاركة في عملية التنمية والتطوير المهني، والمشاركة في تنظيم الامتحانات المدرسية والمباريات وامتحانات الكفاءة الهنية، والمشاركة في الأنشطة المدرسية والأنشطة المندمجة.
وتتمثل النقطة الثالثة التي شكلت خلافا بين الأطر التعليمية والوارة الوصية، في التعويضات، باعتبار أن جدول التعويضات المدرج في النظام الأساسي، منح تعويضات تكميلية لفائدة فئات معينة شملت المدراء والمفتشين، والأساتذة المبرزين، ومستشاري التوجيه والتأطير، فيما تم إغفال فئات أخرى منها هيئة التدريس.
وربطت المادة 60 من النظام الأساسي استفادة الفريق التربوي من منحة سنوية قدرها 10 آلاف درهم سنويا بأن تكون المؤسسة المنتمين إليها حاصلة على شارة “مؤسسة الريادة”، مع توفر شروط الحصول على شهادة المشاركة في دورات تكوينية معينة، واستثمار وتنزيل المقاربة البيداغوجية موضوع دورات التكوين، وتقدين أنشطة الدعم المبرمج خارج حصص التدريس.
وتشكل الأجور أهمية كبيرة في تحفيز الموظفين، بل يعتبرها البعض أساس تحقيق الرضا الوظيفي للموظف العام. وبالنسبة لموظفي وزارة التربية الوطنية، فقد تقزمت أجورهم مقارنة بأجور موظفي القطاعات الأخرى. ويعزى هذا الأمر إلى مراجعة أجور الموظفين الآخرين في إطار أنظمة أساسية جديدة.
النظام الأساسي الجديد لموظفي وزارة التربية الوطنية حسب موظفي قطاع التعليم تجاهل مناقشة المسألة الأجرية، كما تجاهلها أيضا البلاغ التوضيحي للوزارة، وهو ما لم تستسغه الأسرة التعليمية، خصوصا في ظل ارتفاع الأسعار ونسب التضخم التي بلغت مستويات قياسية.
وتخص النقطة الخلافية الرابعة في النظام الأساسي العقوبات التأديبية، التيلا تتناسب مع النظام التعليمي، وفق اعتبارات الشغيلة التعليمية، حيث أن قطاع التعليم في النظام السابق كان خاضعا لنظام العقوبات في الوظيفة العمومية، وتم التشاور على تحديد عقوبات تتناسب مع طبيعة المهنة، “لكن الوزارة قامت باعتماد عقوبات دون الاتفاق عليها مسبقا مع النقابات”.
وحددت المادة 64 من النظام الأساسي العقوبات التأديبية في أربع درجات؛ تتراوح بين الإنذار، والتوبيخ، والحذف من لائحة الترقي، والإقصاء المؤقت من العمل مع الحرمان من الأجرة، والخصم من الراتب، وقد تصل إلى العزل، أو الإعفاء بالنسبة للمتمرنين.
اضرابات بالجملة وتهديدات بسنة بيضاء
استطاعت الشغيلة التعليمية أن تشل القطاع باستمرار وقفاتها الاحتجاجية، واضراباتها الوطنية منذ المصادقة على المرسوم رقم 2.23.819 بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية.
وعلى غير المتوقع، تمكنت التنسيقيات التعليمية أن تحصد تعبئة جماعية مكثفة في أوساط نساء ورجال التعليم مزاولين ومتقاعدين، إذ شهدت الساحة التعليمية عبر ربوع الوطن انخراطا واسعا، وبنفس وحدوي لكل فئات الشغيلة التعليمية بحماس وعزيمة قوية، مطالبين بإسقاط النظام الأساسي الجديد الذي كان خارج الانتظارات.
اجماعالقطاع والمهتمين والفاعلين على أن النظام الأساسي الجديد، يفتقد لإنصاف
عدة شرائح بالمنظومة، عمق من شدة الاحتقان في قطاع التعليم، حيث تجاوزتنسبة الإضرابات الوطنية بمختلف أقاليم وجهات المملكة 90 في المئة، مما تسبب في شلل تام بمختلف المديريات الإقليمية للتعليم.
استمرار الأجواء المشحونة بالقطاع التربوي دفع بالرابطة الوطنية لجمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ بالمغرب الى اصدار بيانلها، منددة من خلاله بالاضطرابات اليومية، والتي “لا تعرف مآلاتها ولا مقدار مدى صبر الأسر التي ترى أبناءها يتجمعون في الأزقة والطرقات بدل تواجدهم في مكانهم الطبيعي المدرسة العمومية”.
وأكدت الرابطة “رفضها للمقاربة التي تنهجها الوزارة والتي تتميز بالإقصاء والارتجال والانفراد بالقرارات التي أدت وستؤدي إلى النفق المسدود وتنبئ بسنة بيضاء ، مؤكدة استعدادها للترافع لصالح المدرسة العمومية بكل الوسائل العمومية بكل الوسائل الممكنة”. ودعت الرابطة “الحكومة إلى التدخل السريع لنزع مسببات الاحتجاجات التي قد تضر بسمعة التعليم بالمغرب، مجددة وقفوها المطلق مع المدرسة العمومية وكل مكوناتها، ومنددة بما يتعرض له الأساتذة من تبخيس ببرنامج إعلامي”.
نهاية الجدل…الحكومة تجمد مضامين النظام الأساسي الجديد
بعد اجتماع طال ساعات بين الحكومة والنقابات، اتفق الطرفين اليوم الاثنين 27 نونبر 2023، على تجميد النظام الأساسي، الذي بسببه يُنظم أساتذة إضرابات منذ ما يقارب شهرين احتجاجا على مضامينه.
وخرج الاجتماع الذي قاده رئيس الحكومة عزيز أخنوش، باتفاق ينص على تجميد العمل بالنظام الأساسي الجديد في أفق تعديله، إلى جانب توقيف الاقتطاعات من أجور الأساتذة، وتحسين دخلهم.
هذا وتم الاتفاق خلال لقاء رئيس الحكومة، مع ممثلي النقابات المركزية على تعديل النظام الأساسي في كل ما يتعلق بالنقط التي سجلت نقابات ملاحظات بشأنها.
تجميد العمل بالنظام الموحد..هل انتصرت الشغيلة التعليمية ؟
اعتبر عدد من الأساتذة والمتتبعين للشأن التربوي أن ما تم الاتفاق عليه مع الحكومة، اليوم الاثنين خلال الاجتماع مع تنسيقيات التعليم، عبارة عن وضع للنظام الأساسي “في الثلاجة”، على أن يعود العمل به لاحقا. وأثارت كلمة تجميد جدلا كبيرا، حيث أكد متتبعون ،أن المفاهيم القانونية لا تقبل هذه الكلمة، كما أن التشريع لا يقبل سوى النسخ أو التغيير أو تتميم المراسيم.
واعتبر أساتذة من خلال تدوينات لهم عبر صفحاتهم بالفايسبوك أن التجميد هو مجرد “هدنة” مؤقتة إلى حين عودتهم إلى الأقسام وإدخالهم لنقاط الدورة الأولى، قبل أن يعود الحال إلى ما كان عليه.
ودعا هؤلاء إلى تجميد “الإضرابات” بالمقابل، ثم العودة إليها، في حالة قررت الحكومة اللعب على هذا الوتر، وإحياء النظام الأساسي من جديد.
في حين يرى متتبعون آخرون أن سيتم بالفعل تجميد النظام، وذلك بتغيير المادة 98 من النظام الأساسي الجديد الذي تقول يعمل بهذا المرسوم ابتداء من فاتح شتنبر 2023 حيث سيتم تعديل التاريخ العمل به الى تاريخ مستقبلي، في انتظار تاريخ الانتهاء من تجويده المحدد في 15 من ينير 2024.