تستأثر القضية الفلسطينية، على مر السنين، بمكانة خاصة ضمن السياسة الخارجية للمملكة، والعمل السياسي والدبلوماسي وكذا الإنساني للمغرب بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، بهدف نصرة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة.
تأسيسا على هذا؛ فقد وضع جلالة الملك القضية الفلسطينية في مرتبة القضية الوطنية، حيث ما فتئ المغرب يدافع عن السلام في المنطقة من خلال حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، كما عارض كافة الإجراءات أحادية الجانب التي تمس بتطلعات الفلسطينيين في تحقيق الحرية، وبالوضع القانوني للقدس الشريف.
في ذات السياق، اتسم موقف المملكة المغربية من النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني على الدوام بالوضوح، والتوازن، والحكمة، بعيدا عن الشعارات والمزايدات السياسية التي لم تساهم سوى في تعطيل عملية السلام.
هذا الموقف لم تتوانى المؤسسة الملكية في الإفصاح عنه في كل مناسبة؛ زلم تسمح لأي جهة في التشكيك بالرغم من العلاقة التي ربطها المغرب وإسرائيل، حيث أشار في وقت سابق بلاغ للديوان الملكي إلى أن استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل تم في ظروف معروفة وفي سياق يعلمه الجميع، ويؤطره البلاغ الصادر عن الديوان الملكي بتاريخ 10 ديسمبر 2020، والبلاغ الذي نشر في نفس اليوم عقب الاتصال الهاتفي بين الملك والرئيس الفلسطيني، وكذلك الإعلان الثلاثي المؤرخ في 22 ديسمبر 2020، والذي تم توقيعه أمام الملك.
ومن تجليات المساندة الدائمة والمستمرة لجلالة الملك للقضية الفلسطينية، المجهودات التي يبذلها على مستوى رئاسة لجنة القدس، والإشراف على وكالة بيت مال القدس الشريف، التي تجسد التضامن المطلق للمملكة مع فلسطين من خلال مشاريعها ومبادراتها الميدانية تجاه المقدسيين.
للإشارة؛ فقد تأسست وكالة بيت مال القدس الذراع الميدانية للجنة القدس التي يرأسها الملك محمد السادس عام 1998،ويُعهد إليها بتنفيذ سياسات اللجنة في مجال العمل الإنساني والاجتماعي في المدينة المقدسة ودعم صمود أهلها المرابطين على أرضهم.
وهي بذلك مؤسسة إنسانية واجتماعية، راكمت تجارب مهمة على الأرض، وتستمد شخصيتها ومصداقيتها من الإشراف المباشر لجلالة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس على عملها. وهو الذي كان قد حثها في رسالة ملكية إلى المدير العام السابق للوكالة في 29 يوليوز 2008 على التركيز على العمل الاجتماعي الميداني الملموس، الذي يتلازم في الواقع، مع المسار السياسي والقانوني، الذي تضطلع فيه الدبلوماسية المغربية بدور مقدر.
بناء عليه تقوم الوكالة، منذ تأسيسها في عهد جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني، ومن بعده جلالة الملك محمد السادس، بأعمال جليلة وقيمة في مدينة القدس من خلال مجموعة من المشاريع التنموية المتعددة التي تهم قطاعات لها أهميتها في حياة سكان القدس الشريف والتي تدعم صمودها وبقاءهم على أرضهم، شملت، على الخصوص، المجالات الاقتصادية والثقافية والتعليمية والرياضية. وتروم هذه المبادرات المتنوعة التقليص من دائرة الفقر وترميم المنازل، ساهمت المملكة المغربية بالنسبة الأكبر فيها.
وعملت الوكالة، التي احتفلت بمرور 25 سنة على إحداثها، على المساهمة في تنمية الإنسان المقدسي، وإشاعة الأمل في صفوف أجيال القدس، عبر وضع برنامج خاص بالمبادرات الأهلية للتنمية البشرية، تتضمن مشاريع للتمكين والتدريب وتنمية القدرات، موجهة خصوصا لفئات المرأة والشباب واليافعين. ويسجل أن الوكالة أنجزت ، ما بين سنتي 2000 و2022، حسب حصيلة قدمها المدير المكلف بتسيير وكالة بيت مال القدس الشريف، في وقت سابق، 200 مشروع كبير وعشرات المشاريع المتوسطة والصغيرة، استفادت منها كافة فئات المجتمع المقدسي، وتوزعت على جميع أحياء المدينة المقدسة، مبرزا أن كلفة هذه المشاريع المنجزة بلغت ما مجموعه 64 مليون دولار، توزعت على عدد من القطاعات، كالإعمار والصحة والتعليم،
ومشاريع همت المساعدة الاجتماعية الموجهة للأيتام والأرامل والمسنين والأشخاص في وضعية إعاقة كما أنه وبحسب أرقام مؤسساتية فإن المغرب يعد المساهم الأكبر بأكثر من 80 بالمائة من الدعم المقدم عن الوكالة بالإضافة إلى الدعم الفردي الذي قدمه خلال الحرب الأخيرة والتي تكون من إعانات طبية وغذائية .
إلى جانب الدعم المادي؛ فإن المغرب ملكا وشعبا يعرف ارتباطا انسانيا وثيقا بالشعب الفلسطيني ، وهو ما جسده تظاهر آلاف المغاربة في مسيرة شعبية اعتراضا على استمرار عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة خلال الفترة الأخيرة.
فقد امتلأت شوارع المدن المغربية بدون استثناء طوفان بشري تشكل من جميع فئات الشعب المغربي ومختلف أطيافه السياسية دعما للمقاومة في عملية “طوفان الأقصى” بدعوة من الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع ومجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين.
ويذكر أيضا أن الملك محمد السادس قد أمر في أكتوبر بإغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط بعد ست سنوات من فتحه، وطرد البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية عقب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية وما صحبها من ضغط شعبي على مستوى الشارع المغربي.
ومن الطرف المقابل تبرز قوة هذه العلاقة، أن الاحتفال بيوم المغرب في ذكرى عيد العرش المجيد في القدس حمل مدلولات سياسية عميقة جسدت عبر الحضور الرسمي المغربي والفلسطيني المواقف التاريخية المشرفة للمملكة المغربية تجاه القضية الفلسطينية وفي القلب منها قضية القدس، في التأكيد على عمقها العربي الإسلامي وهويتها الفلسطينية.