Site icon Marocuniversel – جريدة وطنية شاملة ومتجددة

سياسة المغرب المائية: برامج حكومية مكثفة بتوجيهات ملكية سامية لضمان الأمن المائي..

جلسة العمل التي خصصت لتتبع البرنامج الوطني للتزود بالماء الصالح للشرب ومياه السقي 2020-2027 ترأسها الملك محمد السادس بالقصر الملكي بالرباط

جلسة العمل التي خصصت لتتبع البرنامج الوطني للتزود بالماء الصالح للشرب ومياه السقي 2020-2027 ترأسها الملك محمد السادس بالقصر الملكي بالرباط

على غرار العديد من الدول العربية والأفريقية تعاني المملكة المغربية بدورها من تداعيات تغير المناخ والتي كان نتاجها تراجع الواردات المائية في المملكة وهو الأمر الذي انعكس سلبا على عملية ملئ السدود، وهو ما سخرت له المملكة جهودا مكثفة عبر وسائل واستراتيجيات متعددة بغية التصدي لمشكلة نقص المياه .


ارتباطا بذلك يسجل أنه خلال 70 عاما، شهدت المملكة ما يقدر ب20 موسم جفاف، إلى جانب الارتفاع المتزايد لدرجات الحرارة بسبب التغيرات المناخية، ورغم أن الجفاف ليس ظاهرة طبيعية جديدة على المغرب، فإن النمو السكاني هو ما جعل تأثيره أخطر وأكبر.


ويسجل أن السياسات المائية في المغرب ركزت لمدة طويلة على توفير الموارد المائية النادرة والموزعة بشكل غير متكافئ بغرض تلبية حاجيات الحواضر والزراعة، وذلك من خلال: بناء السدود، وإحداث أحزمة واسعة للري، وشبكات لتزويد المجال الحضري بمياه الشرب.


وبالتوازي مع إنشاء البنيات التحتية والمؤسسات، أدى هذا التركيز على جانب العرض أيضا إلى إهمال الاستثمار في المحافظة على المياه، وفي الصرف الصحي ومكافحة التلوث، وفي تزويد المناطق القروية بالماء.


ومنذ عام 1995 ،اتخذت الحكومة المغربية عدة خطوات من أجل ضمان تحسين تدبير الموارد وحمايتها، وكذا تحسين توفير خدمات البنية التحتية والارتقاء بكفاءتها، مع تزايد الوعي بضرورة تطوير سياسات تدبير الطلب.


ووعيا من جلالته بحساسية هذا الموضوع؛ تمركزت الموارد المائية ضمن القضايا ذات الأولوية في البلاد؛ إذ خصص صاحب الجلالة الملك محمد السادس حيزا مهما في خطبه في عديد من المناسبات حول هذا الموضوع، كما اتجه نحو عقد جلسات عمل متعددة مع الحكومة لمتابعة تقدم المشاريع الخاصة بمواجهة المشاكل الناتجة عن نقص الماء وتنفيذها.


وعلى سبيل المثال لهذه الجلسات يمكن الوقوف على جلسة عمل خصصت لتتبع البرنامج الوطني للتزود بالماء الصالح للشرب ومياه السقي 2020-2027، يومه الثلاثاء09 ماي 2023، والتي عرفت حضور كل من رئيس الحكومة عزيز أخنوش، ومستشار صاحب الجلالة فؤاد عالي الهمة، ووزير الداخلية السيد عبد الوافي لفتيت، ووزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح، ووزير التجهيز والماء نزار بركة، ووزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة ليلى بنعلي، والمدير العام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب عبد الرحيم الحافظي.


وقد اندرج هذا الاجتماع بدوره في إطار العناية والرعاية السامية التي يوليهما جلالته ، لقضية الماء ذات الطابع الاستراتيجي، بهدف تسريع وتيرة هذا البرنامج وتحيين محتوياته، والرفع من الاعتمادات المخصصة له لتصل بذلك ميزانيته لما يقارب 143 مليار درهم.


كما هذه الجلسات أثمرت أوراش كبرى نذكر في هذا الإطار؛ مشروع الربط بين الأحواض المائية. إلى جانب برمجة سدود جديدة للزيادة من قدرة التخزين بـ6.6 م مليارات متر مكعب من المياه العذبة؛ بالإضافة إلى تسريع مشاريع تعبئة المياه غير التقليدية، من خلال برمجة محطات لتحلية مياه البحر.


وبفضل القيادة المتبصرة لجلالته فإن المملكة أضحت تتوفر على 152 سدا كبيرا بسعة إجمالية تفوق 19.9 مليار م3، و16 أخرى قيد الإنجاز بسعة إجمالية تقارب 4.8 مليار م3، بالإضافة إلى 136 سدا صغيرا، طبقا لخريطة الطريق التي حددها جلالة الملك في خطابه خلال افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحادية عشرة.
ومن بين الإجراءات التي نفذها المغرب في هذا المجال، هناك أيضا تحسين تدبير المياه وعقلنة استعمالها، خاصة من خلال تحسين مردوديات شبكات توزيع الماء الشروب، فضلا عن تحلية مياه البحر واستعمال الطاقات المتجددة لإنجازها قصد تقليص التكلفة.


وتعتبر تحلية مياه البحر إحدى الحلول الرئيسية التي يراهن عليها المغرب في التصدي للتحديات التي يواجهها، المتعلقة أساسا بندرة المياه وتغير المناخ. وفي هذا الصدد يعمل المغرب على تعزيز استراتيجية تحلية مياه البحر بهدف زيادة إنتاج المياه المحلاة، حيث يهدف إلى رفع الإنتاج ليصل حوالي 1.4 مليار متر مكعب سنوياً بحلول عام 2027.


في هذا الإطار، نشير إلى محطة تحلية الداخلة التي ستستخدم الطاقة الريحية، والتي ستسمح بتخفيض تكلفة إنتاج المياه (0.29 دولار /م3، مع تفعيل البرنامج الوطني للاقتصاد في مياه السقي، عبر الرفع من إنتاج شبكات السقي والتحويل للسقي الموضعي لبلوغ مليون هكتار بحلول سنة 2030.


كما يتعلق الأمر بتحسين انتاج الطاقة الكهرومائية، بهدف بلوغ 14 في المائة من الطاقات المتجددة التي ستشكل 52 في المائة من الطاقة الاجمالية المنتجة على الصعيد الوطني في 2030، ورفع هذا المعدل إلى 70 في المائة في 2040 و80 في المائة في 2050.


عطفا على ما سبق فبدوره حظي السقي الفلاحي بمكانة مركزية ضمن البرامج الإصلاحية الأفقية والمهيكلة الرامية إلى مواجهة ندرة الموارد المائية. وفي هذا الإطار، أولى مخطط المغرب الأخضر أهمية خاصة لترشيد استعمال مياه الري كوسيلة لتحسين الإنتاج الفلاحي والإنتاجية الفلاحية، مع ضمان استعمال ناجع ومستدام للموارد المائية في سياق يتميز بالتغيرات المناخية .


و تتمحور سياسة التحكم في المياه وتدبيرها في إطار مخطط المغرب الأخضر حول ثلاثة برامج مهيكلة للري نذكر منها البرنامج الوطني للاقتصاد في مياه السقي، وبرنامج توسيع الري بسافلة السدود وكذا برنامج تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص.


جدير بالذكر في هذا المنحى أن النموذج التنموي الجديد طرح بدوره إشكالية الماء، وأظهر أن المغرب سيعرف نتيجة للتغيرات المناخية، ضغطا كبيرا، حيث تم الانتقال اليوم من مرحلة نقص المياه إلى مرحلة ندرة المياه. كما أن هناك فوارق كبيرة في هذا المجال، غير أن هذه الرهانات لا يمكن أن تلغي قصة نجاح المغرب في مسيرة مواجهة ندرة المياه.


ولعل أكبر قصة نجاح يمكن تقديمها في هذا الصدد هي الترابط ما بين الماء والطاقة والأمن الغذائي. وهو ما تم تحقيقه في مدينة الداخلة حيث يعمل المغرب على ورش وضع محطات لتحلية المياه بفضل طاقة الرياح والطاقة الهوائية وسيتم ذلك بتكلفة منخفضة قدرها 30 سنتا للمتر المكعب من المياه، سيتم الاستفادة منها في توفير المياه الصالحة للشرب وللزراعة كذلك، وسيتم توفير مياه الري لخمسة آلاف هكتار موجهة للتصدير والزراعة. حسب ما صرح به نزار بركة وزير التجهيز والماء في وقت سابق ضمن مؤتمر الأمم المتحدة للمياه الذي انعقد مؤخرا في نيويورك بهدف استعراض التحديات التي تمر بها بلاده في مجال المياه والإنجازات التي حققتها المملكة؛ ويشكل كل ذلك نجاحا كبيرا لأنه سيمكن المغرب من تحقيق هذه العلاقة بين الماء والطاقة المتجددة والأمن الغذائي.


هذه الإجراءات في مجملها تبرز أيضا أهمية التحسيس، حيث أن حملات التحسيس لفائدة المواطنين لتوعيتهم بأهمية الاستهلاك المعقلن للماء والحد من هدر هذه المادة الحيوية، من شأنها المساهمة في المحافظة على الفرشة المائية وتطعيمها بهدف استغلالها مستقبلا في حال توالي سنوات الجفاف.


مع التشبث بالتعليمات السامية التي حثت على مضاعفة اليقظة في هذا المجال الحيوي، والتحلي بالفعالية في تنفيذ المشاريع المبرمجة وفقا للجدول الزمني المحدد.

Exit mobile version