شهد المغرب في السنوات الأخير تحولا اقتصاديا كبيرا ارتبط بالبنى التحتية الجديدة، ومشاريع الطاقة البديلة و الشراكات الاقتصادية الخارجية، وهو ما سجل ارتقاء هذا الأخير في المؤشرات الخاصة بمجال تحسين مناخ الأعمال وجذب الاستثمارات الأجنبية.
خلال هذه المرحلة،عملت اللجنة الوطنية لمناخ الأعمال على تغيير تشريعات كثيرة وتبسيط كثير من الإجراءات، منها خفض رسوم تسجيل المقاولة ورقمنة المساطر الجمركية ورقمنة إجراءات الحصول على رخص التعمير ورقمنة وثائق الاستيراد والتصدير والاستغناء عن الإيداع المادي للوثائق ورقمنة إجراءات الحصول على مذكرة المعلومات العمرانية، وقد ساهمت هذه الإجراءات في تحسين تصنيف المغرب على مستوى مؤشر مناخ الأعمال.
لكن بالتمحيص في هذه المؤشرات ومقارنتها بالواقع نجد أن الارتفاع المحقق ينبني على تصنيف تقني لا يعكس بشكل دقيق واقع ومناخ الأعمال المعقد في البلد، والذي يصطدم بمعوقات بنيوية للاستثمار ونخص بالحديث هنا كل من ضعف حكم القانون، وانخفاض مستويات الحوكمة، وحماية الملكية الخاصة، ومكافحة الفساد، وهو ما يترجم هامشية تأثير الإجراءات التقنية التي عملت عليها اللجنة الوطنية لمناخ الأعمال على الواقع الاقتصادي للبلاد.
لا يمكن دحض فكرة أن المغرب نجح فعلا في تحسين بعض المؤشرات التي تقيس مناخ الأعمال وكذا تحقيق التعافي السريع بعد وباء كوفيد19، لكنه أيضا في مقابل ذلك لا يزال يتخبط في عراقيل كبرى تهم علاقة الاستثمار بالإدارة، بالإضافة إلى المشاكل المتعلقة بحقوق الملكية وكذا تلك المرتبطة بحرية ممارسة الأعمال.
في ذات السياق فإن الحديث عن معوقات الاستثمار بالمغرب يقود إلى خلاصة جوهرية مفادها أن الفساد هو العائق المفصلي لتحقيق الاقلاع الاقتصادي للمملكة، ذلك أن هذا الأخير يؤثر بدوره على مناخ الأعمال ويعرقل التنمية الاقتصادية، ولما يكون مصحوبا بغياب تطبيق قوانين المنافسة في الأسواق، وغياب حماية حقوق الملكية الخاصة، ونظام قضائي غير فعال، فإنه يعرقل النمو الاقتصادي ويقضي على المحفزات على الإبداع.
ووعيا منه بحساسية هذا المعوق نص دستور المملكة لسنة 2011 في عدد من بنوده على دعم كل الآليات التي من شأنها ترسيخ قيم الشفافية وتعزيز النزاهة والإنصاف والحكامة الجيدة ومكافحة كل مظاهر الفساد من خلال ربط المسؤولية بالمحاسبة، وذلك من أجل الحفاظ على الأموال والممتلكات العمومية.
بناء عليه فإن ضمان الاستثمار والنمو الاقتصادي، رهين بتشجيع الاستثمار عبر حزمة من الإصلاحات المؤسساتية، لا سيما إصلاح نظام الحوكمة وتعزيز حماية حقوق الملكية الخاصة وتحرير الأسواق ومكافحة الفساد المستشري ومحاربة تضارب المصالح.
ويمكن أن يتحقق ذلك عبر الارتقاء بالإطار القانوني والتنظيمي لممارسة الأعمال، وإضفاء الطابع المادي على الإجراءات الإدارية، وإنشاء نظام الشباك الوحيد للتخفيف من ثقل الإجراءات البيروقراطية.
علاوة على ذلك، من شأن استمرار الدولة في عملية التحرير الاقتصادي وتعزيز الحرية الاقتصادية وضمان المنافسة في الأسواق وإصلاح الإدارة المغربية أن يبني علاقة ثقة مع المستثمرين الخواص المحليين، وأن يساهم في جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وعلى مستوى الحوكمة، فلا بديل عن ضرورة لعب مؤسسات مثل مجلس المنافسة، والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، دورها بشكل جدي في دعم التحرير الاقتصادي والمنافسة الحرة.
إن التوجيهات الملكية السامية، التي تقوم على مبدأي التكامل المؤسساتي والارتباط المفصلي بين الأدوار والمسؤوليات لجميع السلطات والهيئات المعنية، وقناعة المغرب الراسخة بضرورة احترام القانون والمواثيق والاتفاقيات الدولية كافة، والمتعلقة بمكافحة الفساد على الخصوص، تجعل من رفع رهان مكافحته أولوية وطنية، أساسية لتحقيق التنمية المتينة والمدمجة وتحقيق الإقلاع الاقتصادي بشكل واقعي وملموس بعيدا عن الأرقام والمؤشرات التقنية