خارج الحدود

كولومبيا: "السلام الشامل" للرئيس غوستافو بيترو يذهب أدراج الرياح

MarocUniversel/متابعة

يشتد الخناق حول الرئيس الكولومبي ، غوستافو بيترو ، بعد انهيار وقف إطلاق النار الذي كان قد أعلن عنه بصخب كبير نهاية العام الماضي مع مقاتلين يساريين متطرفين ومنظمات تهريب المخدرات ذات النفوذ القوي في البلاد.

لقد تم تبني خطة “السلام الشامل” لبيترو كرمز لولايته الرئاسية، والتي أراد من خلالها أول رئيس يساري لكولومبيا ، وهو أيض ا متمرد سابق، أن يطوي بشكل نهائي صفحة نزاع مسلح استمر أكثر من ستة عقود بين الحكومات المتعاقبة والجماعة المتمردة الماركسية الرئيسية ، “القوات المسلحة الثورية لكولومبيا” (فارك).

غير أنه، سرعان ما أظهرت هذه الخطة محدوديتها. لقد استمر وقف إطلاق النار لأسابيع قليلة فقط، حيث واصل المتمردون المنتمون لمختلف فصائل المنشقين عن حركة فارك المنحلة هجماتهم ضد القوات المسلحة والسكان المدنيين في نفس الوقت الذي كان فيه مندوبوهم يتفاوضون من أجل السلام مع الحكومة في مكسيكو أو هافانا.

وقالت السناتورة باولا هولغوين في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء “يوما بعد يوم ، أصبح من الواضح أن سياسة حكومة بيترو للسلام الشامل ليست سوى مهزلة”، مستنكرة “ارتجال” السلطات القائمة والذي أدى إلى “إضعاف قوات الأمن وتعزيز الهياكل الإجرامية”.

وذكرت في السياق بأن “الرئيس بيترو أعلن في 31 دجنبر الماضي، ما يسمى بوقف إطلاق النار الثنائي مع جيش التحرير الوطني، ومع جماعة (إل غولفو)، و هيكلين منشقين عن القوات المسلحة الثورية الكولومبية ومع مجموعات الدفاع الذاتي (…) وأصبح من الواضح أن وقف إطلاق النار الثنائي ليس حقيقيا ، وأن الهياكل الإجرامية تواصل ارتكاب الجرائم وأن موقف الحكومة هو حماية المجرمين وجعل المجتمعات من دون حماية.

في الواقع ، أعلن الرئيس بيترو ، من خلال بيان بلهجة عسكرية ، بداية الأسبوع أن الحكومة ستعلق وقف إطلاق النار مع “هيئة الأركان المركزية” ، المنشقة عن مقاتلي “فارك” المنحلة وقرر إعادة تفعيل “العمليات الهجومية”.

قبل هذا الإعلان ، جمعت عدة جولات من المفاوضات التي طبعتها السرية وفدا حكوميا ومنشقين عن القوات المسلحة الثورية لكولومبيا في المكسيك وهافانا تحت رعاية كوبا وفنزويلا والنرويج كـ “دول ضامنة”.

وتتخلل هذه الجولات بانتظام هجمات مميتة ارتكبها رجال العصابات ضد دوريات الجيش في المناطق الحدودية مع فنزويلا وفي غرب البلاد بحجة عدم التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين الطرفين وبالتالي لم يكن هناك سبب لتعليق الهجمات.

لقد فهم الجميع أن هذه الهجمات كانت وسيلة ضغط تمارسها “فارك” السابقة للحصول على أقصى المزايا في نهاية المفاوضات.

في أبريل الماضي ، نفذ مقاتلو جيش التحرير الوطني 21 عملا مسلح ا ، وفق ا لمركز لتحليل الصراع في كولومبيا. وق تل ما لا يقل عن أربعة أشخاص ، وأصيب 22 آخرون بالإضافة إلى خمس عمليات اختطاف.

ووقعت غالبية الهجمات في مقاطعات أنتيوكيا (شمال غرب) ، ونورتي دي سانتاندير (شمال) وفايي ديل كاوكا (غرب) ، حيث تنشط الجماعات المسلحة بشكل كبير.

لكن مقتل أربعة شبان من السكان الأصليين هذا الأسبوع على يد منشقين عن القوات المسلحة الثورية الكولومبية كان القشة التي قصمت ظهر البعير. ويتعلق الأمر بقاصرين من السكان الأصلين تم تجنيدهم قسرا في صفوف المتمردين قبل قتلهم.

وبسبب التأثير الإعلامي لهذا الاغتيال الرباعي ، إلى جانب تجنيد القاصرين الذي يعد جريمة ضد الإنسانية ، اضطرت حكومة بيترو إلى تعليق وقف إطلاق النار.

ومع ذلك ، فإن هذا التعليق الجزئي يثير عدة أسئلة بالنسبة لباولا هولغوين.

“ماذا تقصد الحكومة بوقف جزئي لإطلاق النار؟ هل سيستمر في التفاوض مع هيكل إجرامي لم يظهر أي إرادة للسلام؟ ما الذي نتحدث عنه عندما رأينا حتى الآن أنهم لم يتوقفوا عن أنشطتهم الإجرامية وعلى العكس من ذلك يواصلون الخطف والقتل وتجنيد القاصرين وارتكاب الجرائم في الأراضي الكولومبية؟.

وفي السياق ذاته، تذكر هولغوين بالإحصاءات القاتمة التي كشف عنها الوسيط الكولومبي: ارتكبت القوات المسلحة الثورية لكولومبيا السابقة أكثر من 50 انتهاك ا للقانون الإنساني الدولي وأعلن الوسيط أنه أحصى 90 عملا عنيف ا.

في ظل كل ذلك تعرضت مصداقية الحكومة لضربة قوية ، لأن القوات العمومية والجنود والشرطة الذين يمثلون القوة الشرعية للدولة قد ت ركوا ليواجهوا مصيرهم في وقت تواصل فيه الحكومة مفاوضاتها مع نفس المجموعات التي تهاجم القوات العمومية.

وبحسب باولا هولغوين فإن قوات الجيش والشرطة تشكل “خط ا أحمر غير قابل للتفاوض” ، مضيفة أنه “من الصعب جد ا على الرأي العام أن يؤمن بعملية تفاوض بينما تستمر هذه الهياكل في ارتكاب الجرائم والقتل والتهجير، بتجنيد الأطفال بالقوة والانخراط في الاتجار بالمخدرات “.

في هذا الواقع المرير ، تستمر صورة غوستافو بترو في التدهور، ليس فقط بسبب المفاوضات مع المجموعات شبه العسكرية ، ولكن أيض ا بسبب تدهور الوضع الاقتصادي وانفراط عقد الأغلبية في الكونغرس والعقبات العديدة التي واجهتها إصلاحاته.

لإخماد بؤر التوتر العديدة التي نشأت على عدة جبهات ، تفتقت عبقرية بيترو ليجد حلا : تغيير الوزراء ذوي النزعة التمردية وتعيين وزراء يكونون أكثر طواعية وأقرب إلى طموحاته.

من وجهة نظر باولا هولغوين ، فإن الغموض المؤكد الذي يحيط بموقف الرئيس بيترو في ما يتعلق بالجماعات المسلحة له تفسير واحد: “التقارب الإيديولوجي” الواضحة معالمه مع الطيف السياسي اليساري. والأخطر من ذلك، في تقدير عضوة الكونغرس، أنه تبين في كولومبيا أن الهياكل الإجرامية دعمت الحملة التي أوصلته إلى رئاسة الجمهورية (…) وقد أعرب جيش التحرير الوطني والقوات المسلحة الثورية لكولومبيا في العديد من المناسبات عن دعمهما للحملة الانتخابية ليبترو”. لقد كانت الأشهر العشرة من ولاية بيترو كافية ليصاب الكولومبيون بخيبة أمل. الإصلاحات الموعودة في مجالي الصحة والشغل معلقة، والاقتصاد يتدهور ، والعلاقات مع البيرو المجاورة ليست على ما يرام، والعلاقات مع الولايات المتحدة متأرجحة، والسلام الموعود أصبح وهم ا، والشعب الكولومبي لا حيلة له أمام هول هذه المشاكل سوى الصبر وانتظار حدوث معجزة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى