اعتقال عبد النبي بعيوي، رئيس جهة الشرق، وشقيقه عبد الرحيم بعيوي، رئيس جماعة الصفا بوجدة، وسعيد الناصيري، رئيس مجلس عمالة أنفا ورئيس نادي الوداد البيضاوي، خبر ولاشك، طفا على مجموعة من المواقع والمنصات الاجتماعية، ليس فقط بسبب ثقل التهم الموجهة إلى هؤلاء الأشخاص، ولكن بالضرورة، بالنظر إلى المراكز والصفات التي يتقلدونها، في إشارة إلى أن المواطن المغربي، كأنما سلم ضمنيا، أن أصحاب القرار والمراكز العليا هم أشخاص فوق القانون، ليظهر هذا الملف، ويؤكد مرة أخرى مضي الدولة المغربية في طريق ربط المسؤولية بالمحاسبة، بكل حزم وصرامة، والضرب بيد من حديد على كل من سولت له نفسه أن يختار السير خارج القانون بكل أريحية.
ملفات الفساد التي تورط فيها هؤلاء موزعة بين التزوير في محررات رسمية وعرفية، والمشاركة في الاتجار في المخدرات، ومنح وقبول رشاوى في إطار ممارسة الوظيفة وتسهيل خروج أشخاص من التراب الوطني في إطار عصابة، هي تهم تبدو فعلا جسيمة، تداخلت فيها صفة المتهمين المهنية بالصفة السياسية، كلفت أشهرا من أجل تفكيك خيوط القضية. فبعدما قرر الوكيل العام للملك لدى استئنافية الدار البيضاء، بعد البحث التمهيدي، إحالة المتهمين على قاضي التحقيق، مساء أول أمس الخميس، والذي يبلغ مجموعهم 25 متهما بمن فيهم الأخوان بعيوي والناصيري، مع اعتماد مسطرة إغلاق الحدود وسحب جوازات السفر في حق أربعة متهمين، وإخضاعهم للمراقبة القضائية، يجد هذا الإجراء القانوني صدى ووقعا قويا على المستوى الاجتماعي.
الملف الذي ضم أيضا أشخاصا يشغلون صفة موظفي شرطة ودركيين ورجال أعمال، كل هذا كان له وقعه على المتلقي، المواطن المغربي، الذي أصبح يوقن يوما بعد يوم، أن زمن الإفلات من العقاب قد ولى، وأن اللعب خارج نصوص القانون، وربما في حالات ما، استغلال ثغرات القانون لقضاء مآرب ومنافع شخصية، لم تعد لعبة متاحة لمن تسول لهم أنفسهم استغلال نفوذهم وتسجيل تجاوزات على اختلاف أصنافها، سواء علنا أو خفية.
ونظرا لما اتسم به الملف من تعقيدات تمثلت في تشابك خيوط هذه الجرائم، فقد كان لزاما إسناد مهمة البحث والتقصي فيها إلى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، بهدف ضمان إرساء مبادئ الإنصاف والعدالة الجنائية. وهو أمر يحمل رسالة ضمنية مفادها أنه مهما اعتقد المفسدون أن منزلتهم فوق القانون، فهاهو ملف تاجر المخدرات المعروف ب “اسكوبار الصحراء”، يأتي ليدحض اعتقادات هؤلاء، ويكشف بوضوح أن سواسية الجميع أمام القانون، ليست مجرد شعار، وإنما هو مبدأ يطبق فعلا على أرض الواقع، ولو في حق المتجبرين من أصحاب النفوذ.
ملف “اسكوبار الصحراء”، ربما هو ملف يجعل المواطن المغربي يتنفس الصعداء، ويسترجع الثقة في مؤسسات الدولة، خصوصا إذا علمنا أن الأحزاب السياسية التي ينتمي إليها عدد من الأشخاص المتهمين انخرطت في تجميد عضوية من اتهم في الملف، إلى أن يفصل القضاء في ملفات الماثلين أمامه.
هو ملف إذن، من شأنه أن يرسم لعلاقة جديدة بين المواطن المغربي ومؤسسات الدولة، عنوانها إعادة الثقة الكاملة بعد وقوفه على تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، بل ربما إعادة المصالحة مع مجموعة من الأمثال الشعبية ذات المغزى العميق، والتي اعتقد المواطن المغربي أن زمنها انقضى وولى من قبيل “اللي عمل الذنب يستاهل العقوبة”.