يضطلع المغرب في الآونة الأخيرة بأدوار كبرى ضمن المنتظم الدولي بما في ذلك شغله لمقاعد أممية كبرى بمكانة مرموقة بالإضافة إلى استئثاره باستضافة تظاهرات كبرى على عدة مستويات دبلوماسية وأمنية واقتصادية ….إلخ؛
هذا التألق الدولي ينعكس على المستوى الداخلي إذ يجعل من المملكة محط أنظار العالم، وبالتالي تفرض معها ضرورة الدخول في مستوى جديد من النمو؛ وهو ما أشار إليه صاحب الجلالة الملك محمد السادس في كل فرصة ضمن خطاباته.
حيث يؤكد جلالته عبر رؤيته المستنيرة والحكيمة أن المغرب في هذه العشرية الأخيرة يدخل في مرحلة جديدة تنبني أساسا على جيل جديد من المشاريع ، والتي تتطلب بالضرورة الجدية إلى جانب نخبة جديدة من الكفاءات في مختلف المناصب والمسؤوليات، وضخ دماء جديدة على مستوى المؤسسات والهيئات السياسية والاقتصادية والإدارية، بما فيها الحكومة.
وبالحديث عن هذا فإن النتائج تقودنا مباشرة نحو استخلاص قاعدة أساسية فحواها أن المشاريع الجديدة تستوجب البحث عن بروفايلات وزارية تستجيب لتطلعات المرحلة المقبلة وتتماشى والمستوى المطلوب لتحقيق رهان التنمية الداخلية والإشعاع الخارجي.
في هذا الصدد فإن السياقات الحالية بالمغرب تطرح فكرة الحاجة إلى تعديل وزاري من شأنه أن يخلق ديناميكية جديدة، ويخفف الضغط على الحكومة التي تتعرض لانتقادات حيال أداء عدد من الوزراء.
لقد دخلت الحكومة المغربية برئاسة عزيز أخنوش في عامها الرابع، في مقابل ذلك يعرف المجتمع المغربي بعض التوترات التي تستدعي تخفيفها، خصوصًا أن الوضع المالي للمغاربة آخذ في التدهور، فالأرقام الحكومية نفسها تقول إن 83% من المغاربة تدهور وضعهم المعيشي على مدى 12 شهرًا، ونفس النسبة تقريبًا تتوقع ارتفاع حجم البطالة خلال العام الحاليّ، وأدى هذا فعلًا إلى تدني مؤشر ثقة الأسر المغربية إلى أدنى مستوياتها، وهي تبدو متشائمة بخصوص قدرتها على الادخار ومواكبة التقلبات الاقتصادية القادمة.
بهذا فإن التعديل الحكومي أصبح مطلوبا نظرا لحدة القضايا التي يعرفها المشهد المغربي، والمتمثلة كما سبقت الإشارة في الغلاء والجفاف والإضرابات التي تشهدها بعض القطاعات ولاسيما قطاع التعليم؛
هي إذن كلها مؤشرات كفيلة بالتسريع بالتعديل الذي من شأنه أن يعطي ديناميكية جديدة للحكومة وللمشهد السياسي المغربي ككل؛ فبعض التغييرات على مستوى التركيبة الوزارية لإعطاء نفس جديد لعملها باستبعاد الوزراء الذين فشلوا في تحقيق أهدافهم من شأنها تخفيف الضغط الذي يعرفه الشارع المغربي في ظل الإضرابات الاخيرة المتتالية.
من جهة ثانية فقد دأب رؤساء الحكومات السابقة على تقديم حصيلة الفريق الحكومي في مشاريع القوانين المصادق عليها، وإجراءات الحكومة بعد مرور نصف الولاية الحكومية سنتين أو ثلاث سنوات.
حيث نص دستور 2011 على أن لرئيس الحكومة أن يعرض أمام البرلمان الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، إما بمبادرة منه أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين.
ويترافق هذا التمشي مع البحث في إجراء تعديل وزاري لاسيما للوزارات التي كان مردودها دون المأمول أو تلك التي لا تحوز على رضا الشارع المغربي. وذلك بداعي التجاوب مع انتظارات هذا الأخير، فأي تعديل للجهاز التنفيذي ؛ سيساهم في تنشيط دورة القرار الحكومي بما يؤهل الحكومة للدخول في دينامية المرحلة الجديدة.
ويسجل أن الحكومة السابقة واجهت خلال نصف الولاية الحالية عدة مطبات كادت تعصف بالائتلاف الحكومي من بينها الجدل الذي أثاره القانون الإطار للتربية والتكوين وعدم توافق مكونات الحكومة حول لغة تدريس المواد العلمية، وكذا تعثر الحوار الاجتماعي مع النقابات، بالإضافة إلى التعثرات التي تعرفها وزارات أخرى .
إن المغرب اليوم في حاجة إلى ائتلاف قوي، يتيح مساحة لتحقق الالتقائية بين السياسات العمومية سواء المرتبطة بالسياحة أو التجهيز والنقل وكذا الصحة والأمن والعدل والرياضة، في محاولة لاستعادة الثقة بين مؤسسات الدولة وبين المواطنين المصابين بخيبة أمل من تجربة النسخة الحالية من الحكومة عزيز أخنوش، التي باتت تظهر في صورة أكثر ضُعفا مما كان متوقعا وتطرح السؤال حول قدرتها على مواكبة المغرب الجديد بأوراشه الكبرى.