اكتست الزيارة الملكية لدولة الإمارات بعدا استراتيجيا نظرا لحمولة وأبعاد التعاون الثنائي بين الدولتين، بالإضافة إلى كونها تعد الزيارة الأولى من نوعها في المنطقة منذ اندلاع الأزمة الخليجية سنة 2017.
وقد كان العنوان الأبرز لحصيلة هذه الزيارة توقيع صاحب الجلالة الملك محمد السادس والشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الإمارات “إعلاناً نحو شراكة مبتكرة وراسخة” يهدف إلى تطوير مختلف مجالات التعاون الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والانتقال بها إلى آفاق نوعية أرحب تلبي تطلعات البلدين وشعبيهما إلى التنمية والنماء. وهو ما ترتب عنه تبادل أكثر من 12 مذكرة تفاهم شملت أوراش استثمارية كبرى بقصر الوطن بأبوظبي.
لقد شهدت العلاقات الإماراتية المغربية تطوراً متواصلاً في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والإعلامية والعلمية والسياحية والأمنية والثقافية والقضائية، بفضل رغبة القيادتين المشتركة لتعزيز التعاون الثنائي، والاضطلاع بدور هام في المحيط العربي والإسلامي من أجل ترسيخ أسس العمل العربي المشترك.
بناء عليه فقد عرفت العلاقات المغربية الاماراتية تطوراً مهماً في كافة المجالات، وهو ما ترجمته اللقاءات المستمرة بين مسؤولي البلدين في مجالات: الاقتصاد والتجارة والعدل والقضاء والإعلام وغيرها. جدير بالذكر أن هذه الروابط ليست وليدة الأمس بل تمتد جذورها في التاريخ لسنة 1972 على عهدي الراحلين الحسن الثاني والشيخ زايد، حيث كان ساعتها المغرب من أوائل الدول التي دعَمت قيام اتحاد دولة الإمارات، ومنذ ذلك الحين تشهد العلاقات تطورا متصاعدا في جميع المجالات.
وتأسيسا على ذلك فقد تم استحداث اللجنة المشتركة المغربية الإماراتية في 16 مايو 1985 بالرباط، وعقدت اللجنة المشتركة دورتها الأولى في أبوظبي في الفترة الممتدة من 22 إلى 24 نوفمبر 1988 برئاسة وزيري خارجية البلدين. وانعقدت الدورة الثانية بالرباط يومي 25 و26 يونيو 2001 برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدولة للشؤون الخارجية آنذاك لدولة الإمارات، و وزير الشؤون الخارجية والتعاون المغربي السابق، بينما انعقدت الدورة الثالثة للجنة المشتركة في فبراير 2004 بأبوظبي. أما الدورة الرابعة فقد انعقدت بالدار البيضاء يومي 22 و23 يوليو 2006.
وبالتالي فإن هذه الزيارة الملكية تندرج في باب توطيد البعد الاستراتيجي القوي الذي تتسم به العلاقات الإماراتية المغربية، إلى جانب تأكيد مبادئ البلدين حول الوحدة الترابية لكليهما، سواء من جهة دعم المغرب السيادة الإماراتية على جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، وهو الموقف الثابت الذي دأبت الرباط على تأكيده كلما سنحت لها الفرصة في الأمم المتحدة، في مقابل إعادة تأكيد أبوظبي على موقفها الثابت والمساند لسيادة المغرب على صحرائه، الذي توجته الإمارات بإقامة تمثيلية دبلوماسية في مدينة العيون بالصحراء المغربية.
في مقابل ذلك؛ فإن تقارب الرؤى بين البلدين حول الكثير من القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية أكسب العلاقات بينهما زخما كبيرا، مما أدى إلى تعزيزها بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة وعلى كافة المستويات، الأمر الذي يجعل من الإمارات شريكا اقتصاديا وتجاريا مهما للمملكة المغربية.
وباعتبار أن المغرب، رسخ ضمن المنتظم الدولي كونه بلدا مستقرا وآمنا وهو بوابة الاستثمارات الغربية التي تتنافس عليه، وأصبح كذلك، بوابة نحو إفريقيا، وهو جالب للاستثمارات على مختلف الأصعدة وفي مجالات متعددة فلاحية وصناعية وخدماتية وطاقية أيضا، لما له من شفافية ومساطر مفتوحة على المستوى الاقتصادي، فإنه أمر محفز بالنسبة للإمارات العربية المتحدة، لتعزيز علاقتها مع المملكة. والاتجاه نحو خطط استثمارية كبرى بها؛ خصوصا أن المغرب مقبل على استضافة كأس مونديال 2030.
إن هذا الحدث الرياضي العالمي بدوره يضع المغرب أمام التفكير في كون أن دولة الإمارات تصنف على أنها دولة مبتكرة لأنها تنتقل من المرحلة التقليدية إلى مرحلة الابتكار والتنوع المُواكب لتطورات العصر، وبالتالي ستمنح المغرب فرصة الانفتاح على عوالم استثمارية جديدة تشمل مجالات لاقتصادات المستقبل، خاصة مراكز البيانات وأسواق المال والرساميل والطاقات المتجددة وتكنولوجيا الاتصالات و التدبير الذكي والعبور السريع في الموانئ والمطارات.
أخيرا؛ لا يمكن إغفال نقطة هامة تتلخص في إن استجابت المغرب في وقت مضى لعروض الدعم التي قدمتها دولة الإمارات خلال أزمة زلزال الحوز أبرزها تعبئة فريق للإنقاذ عمل جنبا إلى جنب مع السلطات المغربية، في مقابل الاستقبال المهيب الذي خصصته دولة الإمارات للملك محمد السادس خلال زيارته الأخيرة لها يكشف جليا عن عمق العلاقة بين البلدين ومثانتها وهو ما ستنتج عنها بالضرورة مكتسبات كبيرة ستدفع بالمسار التنموي للمغرب بقيادة الرؤية الملكية ذات التبصر الحكيم.