التضخم يعرقل مسيرة الاقلاع الاقتصادي للمملكة..
الرباط-ماروك يونيفرسال -متابعة
شهدت السنوات الأخيرة تسارعا شبه مستمر لمعدل التضخم، وقد تواصلت هذه الوتيرة التصاعدية مما أثر بشكل كبير على القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين المغاربة.
في ذات السياق أوضحت المندوبية السامية للتخطيط في موجـز حول الظرفية الاقتصادية للأشهر الأخيرة لسنة 2023، أن هذا التراجع، المسجل في أعقاب تباطؤ الأسعار العالمية للمواد الأولية، يعزى إلى استمرار تقلص نمو أسعار المنتجات غير الغذائية، بارتفاع نسبته 1 في المائة فقط خلال سنة، وكذا إلى ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية بوتيرة أدنى بنسبة 10,3 في المائة عوض زائد 14,9 في المائة خلال الفصل الثاني من سنة 2023 وزائد 17,6 في المائة خلال الفصل الأول من سنة 2023.
وأبرزت مندوبية الحليمي؛ أنه على الرغم من الزيادات التي عرفتها أسعار المحروقات خلال صيف 2023، إلا أن مساهمة منتجات الطاقة على أساس سنوي للرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك تظل سلبية، نظرا للأثر التراجعي الأساسي مرتبط بالمستويات المرتفعة لأسعار المنتجات النفطية.
وعلى مستوى المنتجات الغذائية، فقد أورد ذات المصدر أن أثمانها خلال السنة المنصرمة عرفت استقرارا في مستويات مرتفعة وذلك على الرغم من تقلص ارتفاع الأسعار، ليعكس ذلك، من بين جملة من الأمور الأخرى، تراجع الأسعار العالمية للمواد الغذائية، لاسيما أسعار القمح والزيت النباتية.
من ناحية أخرى فإن محدودية توافر المنتجات الفلاحية، التي تعزى إلى الظروف المناخية الجافة وكذا آثار تعزيز الطلب خلال الفترة الصيفية، أدت إلى تباطؤ سريع في معدل تضخم المنتجات الغذائية الطازجة.
ومع ذلك ينبغي التأكيد على أن المغرب لا يشكل استثناء في هذا الشأن، فالتضخم المسجل مؤخراً يعتبر ظاهرة عالمية برزت خلال سنة 2021 جراء تداعيات التدابير المعتمدة للتصدي لآثار تفشي جائعة كوفيد – 19. سواء على العرض ونقصد هنا القيود المفروضة على السفر والتجارة الدولية، القواعد الصحية المرتبطة بالتباعد الاجتماعي وحظر التنقل، وغيرها)، أو على الطلب بما في ذلك التدابير المتعلقة بدعم الطلب.
وقد أدى الانتعاش المسجل على مستوى الطلب بالموازاة مع استمرار العمل بالقيود المفروضة على العرض والتجارة الدولية، إلى وقوع خلل في أسواق السلع والخدمات ترتبت عنه زيادة في الأسعار، لا سيما أسعار السواد الأولية الطاقية والسلع الأساسية، وقد تفاقمت هذه الزيادة في الأسعار على المستوى الدولي جراء انعكاسات الحرب في أوكرانيا خلال النصف الأول من سنة 2022.
ونخص بالذكر هنا أسعار المنتجات الطاقية والقمح، هذا دون إغفال خطر انتشار انعكاسات السقوط في دوامة التصاعد التناسبي للأسعار والأجور على مستوى الاقتصاديات الكبرى، خاصة الولايات المتحدة.
ويقودنا الحديث عن التضخم في المغرب إلى الذهاب نحو رصد الأسباب الرئيسية الكامنة وراء ذلك إلى جانب ارتفاع الأسعار نجد عوامل أخرى متعددة أبرزها ضغط الطلب على الأسعار بالمغرب وما له من تأثير في هذا السياق.
كما أن استمرار تفاقم معدل البطالة في مستويات أعلى مما كانت عليه قبل الأزمة، ومعدل استخدام القدرات الإنتاجية في قطاع الصناعة والفلاحية؛ فضلا عن إشكالية ضعف تنظيم الأسواق الخاصة بهذه المنتجات وتعدد الوسطاء بين الفلاح والمستهلك النهائي.
وفي هذا الصدد، فإن التعدد الكبير للوسطاء، في ظل غياب التنظيم والتأطير المناسبين الناتج عن الفراغ القانوني ، يفاقم بشكل كبير المضاربة والسلوكيات الريعية في أعلى سلاسل الانتاج، والتي تنعكس بشكل واضح على المنتج والمستهلك على حد سواء.
وفي السياق نفسه، وبخصوص أسعار المحروقات، صحيح أن الحكومة اتخذت جملة من الإجراءات على المدى القصير من أجل المحافظة على القدرة الشرائية للمستهلك وعلى تنافسية المقاولات المغربية، غير أن الوضعية الحالية تقتضي اعتماد إجراءات ذات أثار أقوى.
وعلاوة على ذلك، فإنه من الأهمية بمكان تسريع وتيرة إجراء بحوث للتقصي حول وجود أو عدم وجود سلوك مناف للمنافسة في هذا القطاع، علماً أن هذه البحوث تظل رهينة بمدى إمكانية تيسير الولوج إلى المعلومة.
وبالموازاة مع هذه العوامل التي تبقى رهينة الداخل، والتي كان لمعظمها إلى الآن تأثير محدود نسبيا، هناك عوامل أخرى فرضها السياق الدولي وبصمت على تأثير كبير في مقدمتها الارتفاع الذي شهدته أسعار المواد الأولية الطاقية في السوق الدولية، لاسيما النفط والغاز الطبيعي، وهو ما انعكس بشكل سريع على الأسعار في السوق الوطنية.
فضلا عن محدودية قدرة المغرب على تخزين المواد الطاقية بما يمكنها من تخفيف آثار الصدمات الخارجية في المجال الطاقي على الأسعار على المستوى الوطني.
وينضاف إلى ذلك تداعيات ارتفاع أسعار المواد الأولية الأخرى على الصعيد الدولي لا سيما الحبوب والزيوت على المستوى الداخلي، دون إغفال تأثير المواسم الفلاحية السيئة التي شهدتها العديد من البلدان المنتجة، وكذا جزاء الحرب في أوكرانيا والتطور السريع للطلب الصيني وانتقال التضخم في منطقة الأورو إلى المغرب بسبب هيمنة حصة القارة الأوروبية في إجمالي واردات البلاد.
ويسجل أيضا أن استمرار ارتفاع تكلفة الشحن البحري، بسبب أزمة الحاويات، وتأثيرها القوي على أسعار الواردات ومن ثم على الأسعار الداخلية، و ارتفاع هامش ربح شركات النقل ساهم في ارتفاع أسعار المنتجات المستوردة وبالتالي قاد المسار الاقتصادي نحو التضخم.
في مقابل ذلك لا يمكن إغفال أن المملكة تحت القيادة المتبصرة والحكيمة للملك محمد السادس والهادفة إلى ترسيخ ركائز الدولة الاجتماعية، تقود إصلاحا كبيرا لشبكات الأمان الاجتماعي وهو ما سيتيح استهداف الدعم بدرجة أولى ومساندة الفئات الفقيرة والأكثر احتياجا لمواجهة هذا التضخم.
ونرصد أن أبرز هذه التدابير التي اتخذت مؤخرا لمواجهة صدمات الإمداد والحفاظ على القوة الشرائية للأسر المغربية وكذا تخفيف حدة هذا الأثر بصورة كبيرة ومنع سقوط المزيد من الأسر في الفقر. تعميم نظام الإعانات الأسرية الذي تم اطلاقه في اخر السنة والذي استهدف الفئات السكانية الأكثر احتياجا على نحو منصف وفعال من حيث التكلفة للتصدي لزيادة الأسعار الكبيرة بهذا الحجم.