تعتبر الرؤية الملكية السامية الرامية إلى تعزيز موقع المغرب ضمن مصاف البلدان الرائدة في مجال الانتقال الطاقي على الصعيد العالمي، والتي أفضت إلى اعتماد الاستراتيجية الطاقية الشمسية والريحية على الصعيد الوطني في سنة 2009، الحجر الأساس الذي وضع بلادنا على مسار جديد قادر على تحقيق منافع اقتصادية واجتماعية وبيئية هامة.
وفي هذا الإطار، رسخ مؤتمر الكوب 22 الذي نظم في مراكش سنة 2016 موقع الريادة الذي تحتله بلادنا في هذا المجال؛ إذ تعد إمكانات المملكة الطاقية من الطاقات المتجددة التي أصبحت أكثر تنافسية، من الأهمية بمكان، حيث تمثل تقريبا قدرة إنتاج الغاز والنفط في فنزويلا ونيجيريا. وبالتالي فإن استغلال هذا المخزون سيمنحها إمكانية تقليص معدل التبعية الطاقية بشكل كبير، إلى جانب تحسين القدرة الشرائية للمواطنوتحقيق تنافسية الصناعات والحسابات العمومية بل وتعزيز موقع المغرب على الصعيد الدولي.
وبهدف تسريع وتيرة تطوير الطاقات المتجددة، ولاسيما الطاقات الشمسية والريحية، قاد صاحب الجلالة الملك محمد السادس سلسلة من جلسات العمل أبرزها تلك المقامة في فاتح نونبر 2018 والتي خصصت لوضع استراتيجية المغرب في مجال الطاقة بشتى أنواعها؛ تلتها جلسة عمل أخرى بتاريخ 22-11-2022 والتي خصصت بدورها لبحث سبل لتطوير الطاقات المتجددة والآفاق الجديدة في هذا المجال، وهو ما يعكس البعد الاستراتيجي لأهمية الطاقة البديلة في المستقبل. كما يرسم الخطى الثابتة التي تخطوها المملكة بنجاح في أفق التخلي تلقائيا عن المحروقات في المجالات الفلاحية والصناعية والنقل وغيرها. إن حقيقة امتلاك المغرب لأكثر من 15 سنة من التجربة في تطوير مشاريع الطاقة المتجددة والنجاعة الطاقية والاندماج الإقليمي، وهي 3 ركائز أساسية ضمن استراتيجية الطاقة المغربية، إلى جانب مشروع “نور ورزازات”، وهو أكبر مجمع للطاقة الشمسية بالعالم بقدرة إنتاجية إجمالية تصل إلى 580 ميغاوات، بالإضافة إلى المبادرات التي أطلقها المغرب في مؤتمر “كوب 28” شهدت قبولا ملحوظا من دول الأطراف، إذ شملت مشاريع في الطاقة المتجددة وتحلية مياه البحر بالطاقة المتجددة، والمشاريع الصناعية الخالية من الكربون، إضافة إلى مشاريع ومبادرات تخص الهيدروجين الأخضر ومشتقاته التي تعد من أولويات البلاد. الإضافة إلى ورش أنبوب الغاز الذي سيربط أوروبا بإفريقيا عبر بوابة المغرب.
إن تميز المغرب طاقيا، ناتج عن التقدم الملحوظ الذي تسجله المملكة المغربية في مجال الطاقة النظيفة، ممكنة بعجلة نموها الاقتصادي ووجودها بالقرب من الاتحاد الأوروبي، حيث يقع الطلب الكبير على منتجاتها.
من زاوية أخرى فإن تفطن المغرب بقيادة الرؤية الملكية المتبصرة مبكرا إلى أهمية الطاقة والماء، نظرا لما صارت تفرضه التغيرات المناخية الحالية من جفاف وارتفاع في الكلفة الطاقية التي تثقل كاهل البلاد سنويا، فتح الباب أمام الاستثمارات التي من شأنها أن تساهم في الانتقال الطاقي وأن تجلب العملة الصعبة للبلاد؛ وهو ما أثار اهتمام العديد من الشركات العالمية الراغبة في الاستثمار في الطاقات النظيفة.
أضافة إلى ذلك فإن توفر المغرب على ساعات تشميس غنية وقوة ريحية مهمة بالإضافة إلى موقع الاستراتيجي، كلها عوامل رفعت أسهم المغرب في سوق الطاقة العالمي ومنحت للتحول الطاقي المغربي الكثير من المصداقية، خصوصا أن هذه الاستثمارات التي يتجه فيها البلد بشكل استراتيجي تتلاءم مع التوجهات العالمية الراغبة في التكيف مع التغيرات المناخية.
جدير بالذكر أن مشروع الربط الكهربائي بين المغرب وبريطانيا، بدوره، حفز الكثير من الدول والشركات العالمية للتفكير في المغرب كفضاء للاستثمار، والمُساهمة في الانتقال الطاقي المغربي وتحقيق الأهداف المعلنة بشكل رسمي من طرف السلطات المغربية، على اعتبار أن المغرب يمنح الفرصة لمن يود أن يكون شريكا استراتيجيا في مجال الطاقات المتجددة، سواء الشمسية أو الريحية أو الهيدروجين الأخضر.
كما أن “محطات “نور” بمجملها منحت المغرب نوعا من الريادة على مستوى إفريقيا. وهو ما يفتح الباب جديا أمام التفكير في وضع مساع لإنتاج الهيدروجين الأخضر؛ وهو ما سيساهم في تقليص الفاتورة الطاقية،
بذلك؛ يتعين على المغرب بناء على ما راكمه من تقدم في هذا المجال تسريع وتيرة تنزيل الطاقات المتجددة من أجل تعزيز سيادته الطاقية، وتقليص كلفة الطاقة، والتموقع في الاقتصاد الخالي من الكربون في العقود القادمة.
بهذا؛ فمن المفترض أن يسمح هذا التوجه للمغرب بتزويد أوروبا بالطاقة الخضراء عبر الكهرباء والهيدروجين. كما تفتح الالتزامات الأوروبية الجديدة آفاقا واعدة في هذا المجال، وهي تهدف إلى الوصول إلى الحياد المناخي الشامل بحلول عام 2050 والتي تجسدت في الصفقة الخضراء للاتحاد الأوروبي. وقد صنفت دراسة ألمانية مؤخرا المغرب كواحد من بين أفضل خمس بلدان في العالم في مجال تطوير هذا النوع من الشراكات الطاقية.
وبالتالي فإنه على الصعيد الدولي، يمكن الجزم أن المغرب يمتلك مؤهلات تمكنه من الارتقاء إلى مصاف البلدان الرائدة في مجال الاقتصاد الأخضر الجديد ولا سيما قطاع الهيدروجين. وهو ما سيتجسد من خلال إرساء شراكة جديدة في المجال الطاقي بين المغرب وأوروبا، تشمل أبعاد نقل التكنولوجيا والبحث والتطوير والتنمية الصناعية.
أما على الصعيد القاري، فالمغرب أمام رهان التوجه نحو ورش كهربة إفريقيا، وكذا إنشاء بنيات تحتية لتبادل الكهرباء النظيفة مع منطقة غرب إفريقيا، على الخصوص.
ووطنيا؛ فيجب على المغـرب أن يضمن قدرته على توفير الظروف اللازمة لتثمين إمكاناته الطاقية المهمة مـن خلال إعطاء أهمية قصوى للآثارالاقتصاديةوالاجتماعية والبيئية. ويتطلب إنجاح مشروع بهذا الحجم تسريع الانتقالالطافي لوضع المغرب على مسار النمو الأخضر، إلى جانب دعم جميع الفاعلين المعنيين بتغطية مجموع قطاعات سلسلة القيمة بـدءا بالتخطيـط الاستراتيجي إلى استهلاك الطاقة واستخدامها وهو ما يتطلب انخراط المواطن مع بقية الفاعلين.