حصاد 2023 : الرؤية الملكية تقود المغرب نحو مسار تنموي قوامه ترسيخ ركائز الدولة الاجتماعية..
الرباط -تقارير نهاية السنة-ماروك يونيفرسال-إعداد هيئة التحرير -2023
يشهد المغرب بقيادة ملكية سامية منذ عقدين إيقاعا سريعا و تحولات كبرى بفضل مجموعة من المبادرات و المشاريع و المخططات التي تركت بصماتها الواضحة على كافة مناحي الحياة، عبر وضع المواطن المغربي في صلب اهتماماتها لتتمكن بذلك المملكة من الاندماج الفعلي في مشاريع اقتصادية مدرة للدخل وتساهم في فك الهشاشة و محاربة التهميش والإقصاء. هذا وتعد التجربة التنموية في المغرب من التجارب المميزة والتي لها اهمية خاصة بالنسبة للدول العربية والدول الأفريقية، والتي يمكن أن تسير عليها دول المنطقة للتحول من التبعية والتأخر الاقتصادي إلى النهضة التنموية الشاملة؛
ويستمد هذا المسار التنموي خلفيته على المستوى الوطني من التوقعات الكبيرة التي واكبت اعتلاء الملك محمد السادس العرش سنة 1999 بأن يشهد المغرب في عهده موجة واسعة من الإصلاحات تكون أوسع نطاقا، إذ تبني المغرب في عهد جلالته استراتيجية متعددة الأبعاد على مدى فترة زمنية طويلة لتعزيز التنمية البشرية وتحقيق نمو اقتصادي أكبر لتحسين حياة المواطنين، من جهة والاستجابة لأهداف الأمم المتحدة الإنمائية الألفية التي وضعت معيارين اثنين وهما، تحسين حياة المواطنين، وتعزيز المساواة وضمان فوائد التنمية لتشمل حتى السكان الأكثر احتياجا.
أما فيما يخص السياق الدولي فإن المغرب ذهب نحو تبني مسار تنموي استجابةً لظرفية دولية متغيرة مع حلول مناخ دولي جديد يدعم الديمقراطية، ويتعامل مع الدول انطلاقا من معطيات تحكمها مؤشرات التنمية داخلها.
إن كون المغرب يزخر بمؤهلات مهمة يمكنه الاعتماد عليها من أجل النهوض بتنميته وتسريع وتيرتها. والتي تتلخص في ثراء رأسماله المادي وغير المادي، وتاريخه وإشعاعه الدولي، وموقعه الجغرافي، عند ملتقى الحضارات. شكل حافزا أساسيا في قدرته على الصمود في وجه الأزمات الإقليمية متعددة الأشكال بفضل صمام الأمان الذي تجسده المؤسسة الملكية.
على المستوى الفلاحي بصمت سنة 2023 على اضطرابات في دورات إنتاج المحاصيل ناتجة عن تباين درجات الحرارة التي عرفها الموسم، بالإضافة إلى ذلك، كان للظواهر المناخية القصوى المسجلة، مثل موجات الحر، تأثير سلبي على الإزهار والإثمار لأهم سلاسل الأشجار المثمرة، ومواكبة للجهود الرامية إلى تنمية القطاع الفلاحي في إطار تنفيذ استراتيجية الجيل الأخضر 2020-2030، اتخذت وزارة الفلاحة سلسلة من التدابير والاجراءات للموسم الفلاحي الحالي من أجل ضمان الظروف المناسبة لسير الموسم الفلاحي، وكذا دعم السلاسل الفلاحية ومواجهة الاتجاه التضخمي.
أبرزها توفير عوامل الإنتاج (البذور والأسمدة)، وتنمية سلاسل الإنتاج الفلاحي، وإدارة مياه الري والتأمين الفلاحي والتمويل ومواكبة الفلاحين. وفي إطار التخفيف من آثار نقص التساقطات المطرية، وبناء على تعليمات جلالة الملك ، نفذت الحكومة برنامجا عاجلا لدعم الإنتاج الفلاحي وحماية الأنشطة النباتية والحيوانية. علاوة على ذلك، واصلت وزارة الفلاحة تشجيع الاستثمار في القطاع الفلاحي من خلال منح تحفيزات في إطار صندوق التنمية الفلاحية وإطلاق إعانات جديدة موجهة للفلاحين في إطار تنزيل استراتيجية الجيل الأخضر لضمان الأمن الغذائي بالمملكة.
على المستوى الاقتصادي سجلت سنة 2023 بالمغرب وبفضل استراتيجيته الاقتصادية، تحقيق معدلَ نمو قوي ووضع التضخم تحت السيطرة. كما مكّن الاستقرارُ المالي والتحكمُ في عجز الميزانية من تحقيق مرونة متزايدة للعملة المحلية غير أنه على الرغم من التحسن الطفيف المسجل في بعض المؤشرات فإنها تبق غير قادرة على خلق مسار متكامل من النمو يغذي الاقتصاد الوطني ،فقد كانت سنة 2023 من السنوات العجاف على صعيد تطور الناتج المحلي الإجمالي الذي نما بنسبة 0.7% خلال التسع أشهر الأولى من السنة.
هذا ولا زال العالم بصفة عامة كما المغرب يعاني من تداعيات وباء كورونا وما خلقه من توتر وهشاشة في الاقتصادات العالمية أيضا على مستوى المبادلات التجارية التي عرفت نوعا من الارتباك؛ غير أن هذا لا ينفي القوة التي بصم عليها الاقتصاد الوطني خلال هذه الفترة حيث أظهر للعالم قوته وتماسكه من خلال الاعتماد على موارده الداخلية.
هذا النمو الاقتصادي المتباطئ نوعا ما ساهم بصفة مباشرة في ارتفاع معدلات البطالة لتصل إلى 15.8 % و بذلك يستمر تأثير النمو الهش على سوق الشغل التي تعرف بدورها بمحدوديتها من جهة و العمل الهش من جهة ثانية وتعد أزمة البطالة من الأزمات المرحلة والتي قد تشهد انفجار خلال السنة المقبلة لا سيما أمام انسداد أفق الانتدابات في الوظيفة العمومية وضعف الاستثمار الخاص، وهو ما سكون له تبعات بارزة على المستوى الاجتماعي.
على المستوى السياحي بالرغم من تداعيات كوفيد 19 إلى جانب زلزال الحوز فإنه وبفضل فعالية التدابير الاستباقية التي نهجها الملك محمد السادس وكذا الاستراتيجية الحكومية القائمة على النهوض بمجال النقل الجوي والترويج للمملكة والاعتناء بالخدمات، يسجل المغرب حضوره كوجهة سياحية مهمة ذات استقطاب كبير
كما أن سنة 2023 عرفت تنظيم المغرب للتظاهرات والأحداث العالمية الكبرى كاجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والاستقبال المرتقب لكأس إفريقيا وكأس العالم أعطى للمملكة إشعاعا دوليا سيجعل العديد من السياح يفكرون في زيارة هذا البلد.
ودعم هذا الاشعاع يستدعي بالضرورة النهوض بالقطاع السياحي عبر الاستثمار في قطاع الطيران والنقل الجوي، ذلك أن الاستثمار في هذا المجال من شأنه أن يجذب أعداد كبيرة من السياح خاصة في الأسواق ذات الكثافة السكانية العالية على غرار الهند والصين والأسواق الآسيوية بشكل عام ، إلى جانب تطوير الطاقة الاستيعابية للوحدات الفندقية والتي قد تشكل هي الأخرى مدخلا مهما لتحقيق نمو استثنائي للقطاع السياحي خلال سنة 2024.
على المستوى الاجتماعي كان العنوان الأبرز لهذه السنة في هذا الشق هو الحرص الملكي على إرساء ركائز الدولة الاجتماعية بناء عليه فقد تميزت سنة 2023 بإطلاق العديد من المشاريع والبرامج الموجهة إلى تحسين ولوج المواطنين إلى خدمات الصحة الأساسية عبر ورش تعميم التغطية الصحية ، وتعزيز قدرتهم على التوفر على سكن لائق عبر بنامج الدعم على السكن وتدعيم التماسك العائلي من خلال الدعم المباشر للأسر، وبالتالي ضمان مزيد من العدالة الاجتماعية والمساواة.
وفي هذا الإطار، ما فتئ جلالة الملك يطلق العديد المبادرات المحمودة الرامية إلى ضمان الولوج المنصف للعلاجات الصحية لفائدة المواطنين، في إطار سياسة القرب، وتحسين الحالة الصحية للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، والمسنين، والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة، بالإضافة إلى تأمين السيادة الصحية للمملكة.
ولا يمكن إغفال أيضا في خذا الشق العناية المولوية السامية بالشق الاجتماعي أعقاب زلزال الحوز إذ سخرت كل الإمكانيات اللازمة لتجاوز هذه الكارثة .
وكما كل سنة لم تخلو سنة 2023 من بعد مظاهر الاحتقان الاجتماعي ونخص بالذكر الاضراب الذي عرفه قطاع التعليم حيث خص بجزء كبير من الاهتمام العام لما خلفه من عرقلة في السير العادي للمدرسة العمومية غير أنه سجلت ردة فعل ايجابية للطرفين سواء الحكومة أو الأسرة التعليمية لمواجهة هذا الاحتقان والبحث عن حلول لتغليب المصلحة العليا للتلميذ المغربي .
في ذات التسلسل يمكن الإشارة أيضا إلى التوجه الجديد الذي عرفته سنة 2023 في ما يخص مقاربة النوع والنهوض بوضعية المرأة ومكافحة جميع أشكال التمييز ضدها عبر الذهاب نحو التنزيل الفعلي للقوانين الموضوعة لهذا الغرض، غير أن الاحصائيات الاخيرة تشير إلي تفاقم ظاهرة العنف ضدها فضلا عن تأثر وضعيتها الاقتصادية أعقاب جائحة كورونا.
هذا ويعد أيضا انكباب المغرب خلال هذه السنة على ورش تعديل مدونة الأسرة مظهرا من مظاهر سير المغرب نحو مسار تنموي متقدم يضعه في مصاف الدول الكبرى ويساهم في اشعاعه إقليميا ودوليا.
وعلى غرار أقاليم المغرب قاطبة لا يمكن المرور دون الإشارة إلى العناية الفائقة التي همت الأقاليم الجنوبية التي تعتبر جزء لا يتجزأ من الامتداد الترابي للمملكة، وقد عرفت هذه الأخيرة أوراش تنموية كبرى جعلتها تتألق ضمن المنتظم الدولي وتصبح وجهة لاستقرار العديد من المراكز الدبلوماسية لدول شريكة تعترف بمغربية الصحراء وبالسيادة الكاملة للمملكة على أقاليمها .
وعلى الصعيد السياسي، فمنذ سنة 2011 سجل المغرب تقدما تجسد في دستور 2011 وإرساء دعائم الجهوية المتقدمة التي خلقت تحولا عميقا بفضل دينامية المشاريع الهيكلية والاستراتيجيات القطاعية، ومكنت سياسية الانفتاح أيضا التي نهجها المغرب من ترسيخ مكانته كمحور للمبادلات الدولية وكحلقة أساسية في التعاون الثلاثي أوروبا-المغرب-أفريقيا والذي يعتبر أداة مبتكرة لضمان الأمن والاستقرار والتنمية في أفريقيا.
هذه الدينامية الاقتصادية والاجتماعية التي ارتبطت بالإرادة الملكية الحكيمة مكنت بالفعل من النهوض بالتنمية البشرية ومحاربة الفقر والاقصاء خاصة من خلال السياسات الاجتماعية و برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والنموذج التنموي للأقاليم الجنوبية وبرنامج تنمية المناطق القروية والجبلية.
إن المملكة المغربية بقيادة المؤسسة الملكية قد أهتمت منذ وقت بعيد بتطوير رؤية شاملة بدءا من النهوض بالبنية التحتية وشبكات الطرق، والاهتمام بالتنمية الحضرية وتحقيق تقدم ملحوظ في الاقتصاد وجعله اقتصاد متنوع غير مقتصر على القطاع الزراعي بشكل أساسي، بالإضافة لمحاولة حل مشكلة الفقر والبطالة عن طريق الاهتمام بعدة جوانب أهمها؛ النهوض بالتعليم والتركيز علي المشروعات وجذب الاستثمارات؛
وفي سبيل تدعيم الديمقراطية تم إجراء اصلاحات مؤسسية والاهتمام بالمشاركة السياسية وادماج الشباب في العملية السياسية، فضلًا عن محاولة التقليل من التحكم المركزي للدولة في شتى مناحي الحياة والاهتمام بتدعيم الجهات الأصغر المختلفة بما يضمن تقسيم المسؤولية وتوفير الخدمات والمساعدة، غير أن هذه الجهود تبقى رهينة بإجاد حلول واقعية وعملية للرهانات التي تواجهها وعلى رأسها الفساد والبطالة .